﴿الذين يستحبون﴾، أي: يختارون ﴿الحياة الدنيا على الآخرة﴾، أي: يؤثرونها عليها ﴿ويصدّون عن سبيل الله﴾، أي: يمنعون الناس عن قبول دين الله ﴿ويبغونها﴾، أي: السبيل ﴿عوجاً﴾، أي: معوجة والأصل ويبغون لها زيغاً وميلاً، فحذف الجار، وأوصل الفعل إلى الضمير ﴿أولئك﴾، أي: الموصوفون بهذه الصفات ﴿في ضلال بعيد﴾، أي: عن الحق وإسناد البعد إلى الضلال إسناد مجازي؛ لأنّ البعيد هم الضلال بميلهم عن الباقي إلى الفاني. ثم ذكر ما يجري مجرى تكميل النعمة والإحسان في الوجهين بقوله تعالى:
﴿وما أرسلنا من رسول﴾، أي: في زمن من الأزمان ﴿إلا بلسان﴾، أي: لغة ﴿قومه﴾ أمّا بالنسبة إلى الرسول؛ فلأنه تعالى بين أنّ سائر الأنبياء كانوا مبعوثين إلى قومهم خاصة، وأما أنت يا محمد فمبعوث إلى عامة البشر، وكان هذا الإنعام في حقك أكمل وأفضل، وأمّا بالنسبة إلى عامّة الخلق، فهو أنه تعالى ذكر أنه ما بعث رسولاً إلا بلسان أولئك القوم ﴿ليبين لهم﴾ ما أمروا به فيفهموه عنه بيسر وسرعة؛ لأنّ ذلك أسهل لفهم أسرار تلك الشريعة، والوقوف على حقائقها وأبعد عن الغلط والخطأ.
تنبيه: تمسك طائفة من اليهود يقال لهم العيسوية بهذه الآية على أن محمداً ﷺ لم يرسل لغير العرب من وجهين:
الأوّل: أن القرآن لما كان نازلاً بلغة العرب لم يعرف كونه معجزة بسبب ما فيه من الفصاحة إلا العرب، وحينئذ لا يكون القرآن حجة إلا عليهم. الثاني: أنّ قوله تعالى: ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه﴾ (إبراهيم، ٤) المراد بذلك اللسان لسان العرب، وذلك يدل على أنه مبعوث إلى العرب فقط.
(٣/٤٠٤)