وردّ عليهم بأنّ المراد بالقوم أهل دعوته والدليل على عموم الدعوة قوله تعالى: ﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً﴾ (الأعراف، ١٥٨) بل إلى الثقلين؛ لأنّ التحدي كما وقع مع الإنس وقع مع الجنّ بدليل قوله تعالى: ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً﴾ (الإسراء، ٨٨). ثم بيّن سبحانه وتعالى أنّ الإضلال والهداية بمشيئته بقوله تعالى: ﴿فيضل الله من يشاء﴾ إضلاله ﴿ويهدي من يشاء﴾ هدايته، فإنه تعالى هو المضل الهادي، وليس على الرسل إلا التبليغ والبيان والله تعالى هو الهادي المضل يفعل ما يشاء ﴿وهو العزيز﴾ في ملكه، فلا رادّ له عن مشيئته ﴿الحكيم﴾ في صنعه فلا يهدي ولا يضل إلا لحكمة. ولما بين تعالى أنه إنما أرسل محمداً عليه الصلاة والسلام إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وذكر كمال إنعامه عليه وعلى قومه في ذلك الإرسال وفي تلك البعثة أتبع ذلك بشرح بعثة سائر الأنبياء إلى أقوامهم، وكيفية معاملة أقوامهم لهم ليكون ذلك تصبيراً له ﷺ على أذى قومه وإرشاداً له إلى كيفية مكالمتهم ومعاملتهم، فذكر تعالى على العادة المألوفة قصص بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فبدأ بذكر قصة موسى عليه السلام فقال:
﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا﴾، أي: العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وانفجار العيون من الحجر وإظلال الجبل والمنّ والسلوى وسائر معجزاته ﴿أن أخرج قومك﴾، أي: بني إسرائيل ﴿من الظلمات﴾، أي: الكفر والضلال ﴿إلى النور﴾، أي: الإيمان والهدى.
(٣/٤٠٥)


الصفحة التالية
Icon