﴿وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم﴾ وقوله: ﴿إذ أنجاكم من آل فرعون﴾ ظرف للنعمة بمعنى الإنعام، أي: اذكروا إنعام الله عليكم في ذلك الوقت ﴿يسومونكم سوء العذاب﴾ بالاستعباد ﴿ويذبحون﴾، أي: تذبيحاً كثيراً ﴿أبناءكم﴾، أي: المولودين ﴿ويستحيون﴾، أي: يستبقون ﴿نساءكم﴾ أحياء وذلك كقول بعض الكهنة إنّ مولوداً يولد في بني إسرائيل يكون سبب زوال ملك فرعون.
فإن قيل: لم ذكر تعالى في سورة البقرة ﴿يذبحون﴾ بغير واو وذكره هنا مع الواو؟ أجيب: بأنها إنما حذفت في سورة البقرة؛ لأنها تفسير لقوله تعالى: ﴿يسومونكم سوء العذاب﴾ وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو، وهنا أدخل الواو فيه؛ لأنه نوع آخر لأنهم كانوا يعذبونهم بأنواع من العذاب غير التذبيح فليس تفسيراً للعذاب ﴿وفي ذلكم بلاء﴾، أي: إنعام وابتلاء ﴿من ربكم عظيم﴾ لأنّ الابتلاء يكون ابتلاء بالنعمة والمحنة جميعاً، ومنه قوله تعالى: ﴿ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة﴾ (الأنبياء، ٣٥). فإن قيل: تذبيح الأبناء فيه بلاء، وأمّا استحياء النساء فكيف فيه ابتلاء؟ أجيب: بأنهم كانوا يستحيونهن ويتركونهنّ تحت أيديهم كالإماء، فكان ذلك ابتلاء وقوله تعالى:
﴿وإذ﴾، أي: واذكروا إذ ﴿تأذن ربكم﴾ فهو أيضاً من كلام موسى عليه السلام، وتأذن بمعنى أذن كتوعد وأوعد غير أنه أبلغ لما في التفعل من معنى التكلف والمبالغة ﴿لئن شكرتم﴾.
(٣/٤٠٧)


الصفحة التالية
Icon