. وروى البغوي بسنده عن عقبة بن عامر عن رسول الله ﷺ في حديث الشفاعة «يقول: عيسى ذلك النبيّ الأمّي فيأتوني فيأذن الله لي أن أقوم فيثور مجلسي من أطيب ريح شمها أحد حتى آتي ربي فيشفعني، ويجعل فيّ نوراً من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ثم يقول الكفار قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا فيقولون: ما هو غير الشيطان هو الذي أضلنا فيأتونه فيقولون: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم قم أنت فاشفع لنا فإنك أضللتنا، فيقوم فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد، ثم يعظم لهبهم ويقول عند ذلك: ﴿إن الله وعدكم وعد الحق﴾ الآية».
قال في «الكشاف»: وقوله ﴿إن الظالمين﴾، أي: الكافرين ﴿لهم عذاب أليم﴾، أي: مؤلم من كلام الله تعالى، ويحتمل أن يكون من جملة قول إبليس، وإنما حكى الله تعالى ما سيقوله في ذلك الوقت؛ ليكون لطفاً للسامعين في النظر لعاقبتهم والاستعداد لما لا بدّ لهم من الوصول إليه، وأن يتصوروا في أنفسهم ذلك المقام الذي يقول فيه الشيطان ما يقول، فيخافوا ويعملوا ما يخلصهم منه وينجيهم. ولما بالغ سبحانه وتعالى في شرح حال الأشقياء من الوجوه الكثيرة شرح أحوال السعداء، وما أعد لهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل، وذلك أنّ الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، فالمنفعة الخالصة إليها الإشارة بقوله تعالى:
﴿وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ وكونها دائمة أشير إليها بقوله تعالى: ﴿خالدين فيها﴾ وهو حال مقدرة، والتعظيم حصل لهم من وجهين: أحدهما: قوله تعالى: ﴿بإذن ربهم﴾؛ لأنّ تلك المنافع إنما كانت تفضلاً من الله تعالى وإنعاماً. والثاني: قوله تعالى: ﴿تحيتهم فيها سلام﴾؛ لأنّ بعضهم يحيى بعضاً بهذه الكلمة والملائكة يحيونهم بها كما قال تعالى: ﴿والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم﴾ (الرعد: ٢٣، ٢٤)
والرب يحييهم أيضاً بهذه التحية كما قال تعالى: ﴿سلام قولاً من رب رحيم﴾ (يس، ٥٨)


الصفحة التالية
Icon