﴿وآتاكم من كل ما سألتموه﴾، أي: مما أنتم محتاجون إليه على حسب مصالحكم، فأنتم سألتموه بالقوّة. ولما ذكر سبحانه وتعالى بعض ما أنعم به على عباده بين أنّ العبد عاجز عن حصرها وعدّها بقوله تعالى: ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾، أي: لا تحيطوا بها ولا تطيقوا عدّها وبلوغ آخرها هذا إذا أرادوا أن يعدّوها على الإجمال، وأمّا على التفصيل فلا يقدر عليه ولا يعلمه إلا الله تعالى. ﴿إنّ الإنسان﴾، أي: الكافر، وقال ابن عباس: يريد أبا جهل. ﴿لظلوم﴾، أي: كثير الظلم لنفسه ﴿كفار﴾، أي: كفور لنعم ربه، وقيل: ظلوم في الشدّة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع. فإن قيل: لم قال تعالى هنا ﴿إنّ الإنسان لظلوم كفار﴾ وفي النحل: ﴿إنّ الله لغفور رحيم﴾ (النحل، ١٨)
(٣/٤٣٦)
؟ أجيب: بأنه تعالى يقول للعبد: إذاحصلت لك النعم الكثيرة فأنت الذي أخذتها وأنا الذي أعطيتها فحصل لك عند أخذها وصفان، وهما كونك ظلوماً كفاراً، ولي وصفان عند إعطائها وهما كوني غفوراً رحيماً، والمقصود كأنه يقول: إن كنت ظلوماً فأنا غفور وإن كنت كفاراً فأنا رحيم أعلم عجزك وتقصيرك فلا أقابل تقصيرك، إلا بالتوقير ولا أجازي جزاءك إلا بالوفاء، ونسأل الله حسن والعاقبة والرحمة. ولما بين الله تعالى بالدلائل المتقدّمة لأن لا معبود إلا الله سبحانه وتعالى وأنه لا تجوز عبادة غير الله البتة، حكي عن إبراهيم عليه السلام مبالغة في إنكاره عبادة الأوثان بقوله تعالى:
(٣/٤٣٧)
﴿وإذ﴾، أي: واذكر لهم مذكراً بأيام الله خبر إبراهيم إذ ﴿قال إبراهيم رب﴾، أي: المحسن إليّ بإجابة دعائي ﴿اجعل هذا البلد﴾، أي: مكة ﴿آمناً﴾، أي: ذا أمن، وقد أجاب الله تعالى دعاءه، فجعله حرماً لا يسفك فيه دم إنسان، ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه. فإن قيل: ، أي: فرق بين قوله: ﴿اجعل هذا بلداً آمناً﴾ (البقرة، ١٢٦)
وبين قوله: ﴿اجعل هذا البلد آمناً﴾ (إبراهيم، ٣٥)


الصفحة التالية
Icon