؟ بأنّ المسؤول في الأوّل أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها ولا يخافون، وفي الثاني: أن يزيل عنها الصفة التي كانت حاصلة لها، وهي الخوف ويجعل لها تلك الصفة، وهي الأمن كأنه قال: هو بلد مخوف فاجعله آمناً.
فإن قيل: كيف أجاب الله تعالى دعاءه مع أنّ جماعة من الجبابرة قد أغاروا عليها وأخافوا أهلها؟ أجيب: بجوابين: أحدهما: أنّ إبراهيم عليه السلام لما فرغ من بناء الكعبة دعا بهذا الدعاء، والمراد منه جعل مكة آمنة من الخراب، وهذا موجود بحمد الله تعالى فلم يقدر أحد على إخراب مكة. فإن قيل: يرد على هذا ما ورد عنه ﷺ أنه قال: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة»؟ أجيب: بأنّ قوله تعالى: ﴿اجعل هذا البلد﴾ (إبراهيم، ٣٥)
يعني إلى قرب يوم القيامة وخراب الدنيا فهو عام مخصوص بقصة ذي السويقتين، فلا تعارض بين النصين، والجواب الثاني: أنّ المراد جعل أهلها آمنين كقوله تعالى: ﴿واسأل القرية﴾ (يوسف: ٨٢)، أي: أهلها وهذا الجواب عليه أكثر المفسرين، وعلى هذا فقد اختص أهل مكة بزيادة الأمن في بلدهم كما أخبر الله تعالى بقوله: ﴿ويتخطف الناس من حولهم﴾ (العنكبوت، ٦٧)
(٣/٤٣٨)
وأهل مكة آمنون من ذلك حتى أنّ من التجأ إلى مكة أمن على نفسه وماله، وحتى أنّ الوحوش إذا كانت خارجة الحرم استوحشت، وإذا كانت داخلة الحرم استأنست؛ لعلمها أنه لا يهجيها أحد في الحرم، وهذا القدر من الأمن حاصل بحمد الله بمكة وحرمها ﴿واجنبني﴾، أي: بعدني ﴿وبنيّ أن﴾، أي: عن أن ﴿نعبد الأصنام﴾، أي: اجعلنا في جانب غير جانب عبادتها.