فإن قيل: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون فما الفائدة في قوله: ﴿واجنبني﴾ عن عبادة الأصنام؟ أجيب: بأنه عليه الصلاة والسلام إنما سأل ذلك هضماً لنفسه، وإظهاراً للحاجة والفاقة إلى فضل الله في كل المطالب، وفي ذلك دليل على أنّ عصمة الأنبياء بتوفيق الله تعالى وحفظه إياهم. فإن قيل: كان كفار قريش من أبنائه مع أنهم كانوا يعبدون الأصنام فكيف أجيب دعاؤه؟ أجيب: بأنّ المراد من كان موجوداً حال الدعاء، ولا شبهة أنّ دعوته كانت مجابة فيهم، أو أنّ هذا الدعاء مخصوص بالمؤمنين من أولاده، والدليل عليه أنه قال عليه السلام في آخر الآية: ﴿فمن تبعني فإنه مني﴾ (إبراهيم، ٣٦)
وذلك يفيد أن من لم يتبعه على دينه فإنه ليس منه، ونظيره قوله تعالى: ﴿إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح﴾ (هود، ٤٦)، والصنم المنحوت على خلقة البشر وما كان منحوتاً على غير خلقة البشر فهو وثن، قاله الطبري. ولذا لما سئل ابن عيينة كيف عبدت العرب الأصنام؟ فقال: ما عبد أحد من بني إسماعيل صنماً، واحتج بقوله تعالى: ﴿واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام﴾ (إبراهيم، ٣٥)
(٣/٤٣٩)
وإنما كانت أنصاب الحجارة لكل قوم قالوا: البيت حجر فحينما نصبنا حجراً فهو بمنزلة البيت فكانوا يدورون بذلك الحجر، أي: يطوفون به أسابيع تشبيهاً بالكعبة، ويسمونه الدوّار بضم الدال مشدّدة، وقد تفتح، قال الجوهري: دوّار بالضم صنم وقد تفتح فاستحب أن يقال طاف بالبيت، ولا يقال دار بالبيت. قال الرازي: وهذا الجواب ليس بقوي؛ لأنه عليه السلام لا يجوز أن يريد بهذا الدعاء إلا عبادة غير الله، والحجر كالصنم في ذلك. ثم حكى الله تعالى عن إبراهيم أنه قال:
﴿رب إنهن﴾، أي: الأصنام ﴿أضللن كثيراً من الناس﴾ بعبادتهم لها.


الصفحة التالية
Icon