والبحر الذي سخره الله تعالى للناس هو هذه البحار فمن تسخيرها للخلق ما مر ومنه جعلها بحيث يتمكن الناس من الانتفاع بها بالركوب وبالغوص وبغير ذلك فمنافع البحار كثيرة وذكر سبحانه وتعالى منها هنا ثلاثة منافع الأولى قوله تعالى: ﴿لتأكلوا منه﴾ أي: بالاصطياد وغيره من لحوم الأسماك. ﴿لحماً طرياً﴾ لا تجد أنعم منه ولا ألين وهو أرطب اللحوم فيسرع إليه الفساد فيبادر إلى أكله عذباً ففي ذلك دلالة على كمال قدرته تعالى وذلك أن السمك لو كان كله مالحاً لما عرف به من قدرة الله تعالى ما يعرف بالطري لأنه لما خرج من البحر الملح اللحم الطري في غاية العذوبة علم أنه يخلق الله وقدرته لا بحسب الطبع وعلم بذلك أنّ الله تعالى قادر على إخراج الضدّ من الضدّ. المنفعة الثانية: قوله تعالى: ﴿وتستخرجوا منه﴾ أي: بجهدكم في الغوص وما يتبعه ﴿حلية﴾ أي: اللؤلؤ والمرجان، كما قال تعالى: ﴿يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ (الرحمن، ٢٢)
(٤/٢٧)
. ﴿تلبسونها﴾ أي: نساؤكم وهنّ بعضكم فكأن اللابس أنتم ولأنّ زينة النساء بالحلي إنما هو لأجل الرجال فكان ذلك زينة لهم. المنفعة الثالثة: قوله تعالى: ﴿وترى الفلك﴾ أي: السفن ﴿مواخر﴾ أي: تمخر الماء، أي: تشقه بجريها ﴿فيه﴾ أي: مقبلة ومدبرة وذلك أنك ترى سفينتين إحداهما تقبل والأخرى تدبر بريح واحدة. وقال مجاهد: تمخر الريح السفن يعني أنها إذا جرت يسمع لها صوت. وقال الحسن: مواخر يعني مملوءة متاعاً. وقوله تعالى: ﴿ولتبتغوا﴾ أي: لتطلبوا عطف على تأكلوا وما بينهما إعتراض. وقيل: عطف على محذوف تقديره: لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا ﴿من فضله﴾ أي: من سعة رزقه بركوبها للتجارة وللوصول إلى البلدن الشاسعة ﴿ولعلكم تشكرون﴾ الله على هذه النعم التي أنتم عاجزون عنها لولا تسخيره.