وذلك لما وصفوا القرآن بكونه أساطير الأوّلين كان عاقبتهم بذلك أن يحملوا ﴿أوزارهم﴾ أي: ذنوب أنفسهم وإنما قال تعالى: ﴿كاملة﴾ لئلا يتوهم أنه يكفر عنهم شيء بسبب البلايا التي أصابتهم في الدنيا وأعمال البرّ التي عملوها في الدنيا بل يعاقبون بكل أوزارهم ﴿يوم القيامة﴾ الذي لا شك فيه ولا محيص عن إتيانه. قال الرازي: وهذا يدل على أنه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلاً في حق الكل لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار بهذا التكميل فائدة ﴿و﴾ ليحملوا أيضاً ﴿من﴾ جنس ﴿أوزار﴾ الجهلة الضعفاء ﴿الذين يضلونهم﴾ وقوله تعالى: ﴿بغير علم﴾ حال من مفعول يضلونهم، أي: يضلون من يعلم أنهم ضلال أو من الفاعل وإنما وصف بالضلال واحتمال الوزر من أضلوه وإن لم يعلم لأنه كان عليه أن يبحث وينظر بعقله حتى يميز بين المحق والمبطل وإنما حصل للرؤوساء الذين أضلوا غيرهم وصدّوهم عن الإيمان مثل أوزار الأتباع لأنهم دعوهم إلى الضلال فاتبعوهم فاشتركوا في الإثم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» أخرجه مسلم. ومعنى الآية والحديث أنّ الرئيس والكبير إذا سنّ سنة حسنة أو سيئة قبيحة فتبعه عليها جماعة فعملوا بها فإن الله تعالى يعطيهم ثوابه وعقابه حتى يكون ذلك الثواب والعقاب مساوياً لكل ما يستحقه كل واحد من الأتباع الذين عملوا بالسنة الحسنة أو القبيحة، وليس المراد بأن الله يوصل جميع الثواب أو العقاب الذي يستحقه الأتباع إلى الرؤوساء ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ (الأنعام، ١٦٤)
. وقوله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ (النجم، ٣٩)
(٤/٣٧)


الصفحة التالية
Icon