ولمّا كان هذا الفعل مع العلم سبباً لدخول جهنم قال تعالى: ﴿فادخلوا﴾ أي: أيها الكفرة ﴿أبواب جهنم﴾ أي: أبواب طبقاتها ودركاتها ﴿خالدين﴾ أي: مقدّرين الخلود ﴿فيها﴾ أي: جهنم لا يخرجون منها وإنما قال تعالى ذلك لهم ليكون أعظم في الخزي والغم وفي ذلك دليل على أنّ الكفار بعضهم أشدّ عذاباً من بعض ثم قال تعالى: ﴿فلبئس مثوى﴾ أي: مأوى ﴿المتكبرين﴾عن قبول التوحيد وسائر ما آتت به الرسل. ولمّا بيّن تعالى أحوال المكذبين ذكر أحوال الصدّيقين بقوله تعالى:
﴿وقيل للذين اتقوا﴾ أي: خافوا عقاب الله ﴿ماذا﴾ أي: أيّ شيء ﴿أنزل ربكم قالوا خيراً﴾ أي: أنزل خيراً وذلك أنّ أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبيّ ﷺ فإذا جاء سأل الذين قعدوا على الطرق عنه فيقولون: ساحر شاعر كذاب مجنون ولو لم تلقه خيرلك فيقول السائل: أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أدخل مكة وألقاه فيدخل مكة فيرى أصحاب النبيّ ﷺ فيخبرونه بصدقه، وأنه نبيّ مبعوث من الله تعالى فذلك قوله تعالى: ﴿وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم﴾ الآية فإن قيل: لم رفع الأول وهو قولهم أساطير الأوّلين ونصب الثاني وهو قولهم خيراً أجيب: بأنه ذكر ذلك للفصل بين جواب المقرّ وجواب الجاحد، وذلك أنهم لمّا سألوا الكفار عن المنزل على النبي ﷺ عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا أساطير الأولين وليس هو من الإنزال في شيء لأنهم لم يعتقدوا كونه منزلاً. ولمّا سألوا المؤمنين عن المنزل على النبيّ ﷺ لم يتلعثموا، وطابقوا الجواب عن السؤال بيناً مكشوفاً مفعولاً للإنزال، فقالوا: ﴿خيراً﴾ أي: أنزل خيراً، وتمّ الكلام عند قوله ﴿خيراً﴾ فهو وقف تامّ، ثم ابتدأ بقوله تعالى:
(٤/٤٢)


الصفحة التالية
Icon