(٤/٦٦)
الإبل والغنم في البادية. قال الله تعالى: ﴿ألا ساء﴾ أي: بئس ﴿ما يحكمون﴾ حكمهم هذا وذلك لأنهم بلغوا في الاستنكاف من البنت إلى أعظم الغايات فأوّلها: أنه يسود وجهه، وثانيها: أنه يختفي من القوم من شدّة نفرته عن البنت. وثالثها: أنّ الولد محبوب بحسب الطبيعة ثم إنه بسبب نفرته عنها يقدم على قتلها وذلك يدل على أنّ النفرة عن البنت والاستنكاف عنها قد بلغ مبلغاً لا يزاد عليه فكيف يليق بالعاقل أن يثبت ذلك لإله عالم مقدس عال عن مشابهة جميع المخلوقات، ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذاً قسمة ضيزى﴾ (النجم: ٢١، ٢٢)
ثم قال تعالى: ﴿للذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ وهم الكفار ﴿مثل السوء﴾ أي: الصفة السوء بمعنى القبيحة وهي قتلهم البنات مع احتياجهم إليهنّ للنكاح ﴿ولله المثل الأعلى﴾ أي: الصفة العليا وهي أنه لا إله إلا هو، وأن له جميع صفات الجلال والكمال من العلم والقدرة والبقاء السرمدي وغير ذلك من الصفات التي وصف الله بها نفسه. وقال ابن عباس: مثل السوء النار والمثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله. فإن قيل: كيف جاء لله المثل الأعلى مع قوله تعالى: ﴿فلا تضربوا لله الأمثال﴾ (النحل، ٧٤)
أجيب: بأنّ المثل الذي يضربه الله تعالى حق وصدق والذي يذكره غيره باطل. ﴿وهو العزيز﴾ الذي لا يمتنع عليه شيء فلا نظير له. ﴿الحكيم﴾ الذي لا يوقع شيئاً إلا في محله. ولما حكى الله تعالى عن القوم عظيم كفرهم وقبيح قولهم بين أنه تعالى يمهل هؤلاء الكفار ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهاراً للفضل والرحمة والكرم بقوله تعالى:
(٤/٦٧)


الصفحة التالية
Icon