أي: بسبب كفرهم ومعاصيهم ﴿ما ترك عليها﴾ أي: على الأرض وإنما أضمر ذكرها من غير ذكر لدلالة الناس والدابة عليها. ﴿من دابة﴾ أي: أنّ الله تعالى لو آخذ الناس بظلمهم لأهلك جميع الدواب التي على وجه الأرض. فإن قيل: اسم الناس جنس يشمل الكل فيدخل في ذلك الأنبياء فيدل على عدم عصمتهم؟ أجيب: بأنّ ذلك عام مخصوص بقوله تعالى: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله﴾ (فاطر، ٣٢)
(٤/٦٨)
فالمذكور في هذه الآية، إما كل العصاة المستحقين العقاب أو الذين تقدّم ذكرهم من المشركين ومن الذين أثبتوا لله البنات، أو جميع الكفار بدليل قوله تعالى: ﴿إنّ شرّ الدواب عند الله الذين كفروا﴾ (الأنفال، ٥٥)
. وقال قتادة: قد فعل الله تعالى ذلك في زمن نوح عليه السلام فأهلك جميع الدواب التي على وجه الأرض إلا من كان في السفينة مع نوح عليه السلام. روي أنّ أبا هريرة رضي الله تعالى عنه سمع رجلاً يقول: إنّ الظالم لا يضر إلا نفسه. فقال: بئسما قلت إنّ الحبارى تموت هزالاً من ظلم الظالم. وقال ابن مسعود: إنّ الجعل تعذب في حجرها بذنب ابن آدم، والجعل بضم الجيم وفتح العين دويبة قاله الجوهريّ. وقيل في معنى الآية: ولو يؤاخذ الله الآباء الظالمين بسبب ظلمهم لانقطع النسل، ولم توجد الأبناء ولم يبق في الأرض أحد. ﴿ولكن يؤخرهم﴾ أي: يمهلهم بفضله وكرمه وحلمه ﴿إلى أجل مسمى﴾ أي: إلى انتهاء آجالهم وانقضاء أعمارهم، ﴿فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة﴾ عنه ﴿ولا يستقدمون﴾ أي: لا يؤخرون ساعة من الأجل الذي جعله الله تعالى لهم ولا ينتقصون منه. تنبيه: ههنا همزتان مفتوحتان من كلمتين فقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط إحدى الهمزتين مع المدّ والقصر. وقرأ ورش وقنبل بتسهيل الثانية وإبدالها حرف مدّ والباقون بتحقيق الهمزتين.
(٤/٦٩)