والنوع الثالث من الأقاويل الفاسدة التي كان يذكرها الكفار وحكاها الله تعالى عنهم قوله: ﴿ويجعلون لله ما يكرهون﴾ لأنفسهم من البنات وأراذل الأحوال والشركاء في الرياسة. ثم وصف الله تعالى جراءتهم مع ذلك بقوله تعالى: ﴿وتصف﴾ أي: وتقول ﴿ألسنتهم الكذب﴾ أي: مع ذلك مع أنه قول لا ينبغي أن يتخيله عاقل، ثم بيّنه بقوله تعالى: ﴿أنّ لهم الحسنى﴾ أي: عنده، أي: الجنة كقوله تعالى: ﴿ولئن رجعت إلى ربي إنّ لي عنده للحسنى﴾ ولا جهل أعظم ولا أحكم سوءاً من أن تقطع بأنّ من تجعل له ما تكره أن يجعل لك ما تحب فكأنه قيل ما لهم عنده؟ فقيل: ﴿لا جرم﴾أي لا ظن ولا تردّد في ﴿أن لهم النار﴾ أي: هي جزاء الظالمين وقيل لا جرم بمعنى حقاً. ﴿وأنهم مفرطون﴾ أي: متركون فيها أو مقدّمون إليها وقرأ نافع بكسر الراء، أي: متجاوزون الحد والباقون بالفتح. فإن قيل: إنهم لم يقرّوا بالبعث فكيف يقولون إن لنا الحسنى عند الله؟ أجيب: بأنهم قالوا إن كان محمد صادقاً في البعث بعد الموت فإن لنا الجنة، وقيل إنه كان في العرب جمع يقرّون بالبعث والقيامة وأنهم كانوا يربطون البعير النفيس على قبر الميت ويتركونه إلى أن يموت ويقولون إنّ ذلك الميت إذا حشر فإنه يحشر معه مركوبه، ثم بين تعالى أنّ مثل هذا الصنيع الذي يصدر من مشركي قريش قد صدر من سائر الأمم السابقين في حق الأنبياء المتقدّمين بقوله تعالى:
(٤/٧٠)


الصفحة التالية
Icon