﴿تالله﴾ أي: الملك الأعلى ﴿لقد أرسلنا﴾ أي: بما لنا من القدرة رسلاً من الماضين ﴿إلى أمم من قبلك﴾ كما أرسلنا إلى هؤلاء ﴿فزين لهم الشيطان﴾ أي: المحترق بالغضب المطرود باللعنة ﴿أعمالهم﴾ الخبيثة من الكفر والتكذيب كما زين لهؤلاء فضلوا كما ضلوا فأهلكناهم، وهذا يجري مجرى التسلية للنبيّ ﷺ فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم والمزين في الحقيقة هو الله تعالى هذا مذهب أهل السنة وإنما جعل الشيطان آلة بالإلقاء للوسوسة في قلوبهم وليس له قدرة على أن يضلّ أحداً أو يهدي أحداً وإنما له الوسوسة فقط فمن أراد الله تعالى شقاوته سلطه الله عليه حتى يقبل وسوسته ﴿فهو وليهم اليوم﴾ أي: في الدنيا وإنما عبر باليوم عن زمانها، أي: فهو وليهم حين كان يزين لهم أو يوم القيامة على أنه حكاية حال ماضية أو آتية، أي: لا ولي لهم غيره وهو عاجز عن نصر نفسه فكيف ينصرهم. وقيل: الضمير لقريش، أي: زين الشيطان للكفرة المتقدّمين أعمالهم وهو وليّ هؤلاء القوم يغرّهم ويغريهم، وقيل: يجوز أن يقدّر مضاف، أي: فهو ولي أمثالهم والوليّ القرين والناصر فيكون نعتاً للناصر لهم على أبلغ الوجوه ﴿ولهم عذاب أليم﴾ أي: مؤلم في الآخرة. ثم ذكر تعالى أنه مع هذا الوعيد الشديد قد أقام الحجة وأزاح العلة بقوله تعالى:
﴿وما أنزلنا﴾ أي: بما لنا من العظمة من جهة العلوّ. ﴿عليك﴾ يا أشرف المرسلين ﴿الكتاب﴾ أي: القرآن ﴿إلا لتبين لهم﴾ أي: للناس ﴿الذي اختلفوا فيه﴾ من أمر الدين مثل التوحيد والشرك وإثبات المعاد ونفيه فإنه كان فيهم من ينكر البعث ومنهم من يؤمن به ومنهم عبد المطلب ومثل تحريم الحلال كالبحيرة والسائبة وتحليلهم أشياء محرّمة كالميتة. فإن قيل: اللام في لتبين لهم تدل على أنّ أفعال الله تعالى معللة بالأغراض كقوله تعالى: ﴿كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس﴾ (إبراهيم، ١)
. وقوله: ﴿وما خلقت الجنّ والأنس إلا ليعبدون﴾ (الذاريات، ٥٦)
(٤/٧١)


الصفحة التالية
Icon