أجيب: بأنه لما ثبت بالعقل امتناع التعليل وجب صرفه إلى التأويل وقوله تعالى: ﴿وهدى ورحمة﴾ أي: وإكراماً بمحبة معطوفان على محل لتبين إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعول لهما لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب ودخلت اللام على لتبين لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل وإنما ينتصب مفعولاً له ما كان فعل فاعل الفعل المعلل، ولما كان ذلك ربما شملهم وهم على ضلالهم نفاه بقوله تعالى: ﴿لقوم يؤمنون﴾ ونظيره قوله تعالى في أوّل البقرة: ﴿هدى للمتقين﴾ (البقرة، ٢)
. وإنما خص المؤمنين بالذكر من حيث أنهم قبلوه وانتفعوا به كما في قوله تعالى: ﴿إنما أنت منذر من يخشاها﴾ (النازعات، ٤٥)
لأنه إنما انتفع بإنذراه هذا القوم فقط. ولما انقضى الدليل على أنّ قلوبهم منكرة استكباراً وما يتعلق به، وختمه بما أحيا به القلوب في الإيمان والعلم بعد موتها بالكفر والجهل، وكان المقصود الأعظم من القرآن تقرير أصول أربعة: الإلهيات والنبوّات والمعاد وإثبات القضاء والقدر والفعل بالاختيار وكان أجلّ هذه المقاصد الإلهيات شرع في ذكر الوحدانية والقدرة والفعل بالاختيار المستلزم للقدرة على البعث على وجه غير المتقدّم ليعلم أنّ أدلة ذلك أكثر من أوراق الأشجار وأجلى من ضياء النهار فعطف على قوله: ﴿والله يعلم ما تسرون وما تعلنون﴾ (النحل، ١٩)
. قوله جامعاً في الدليل بين العالم العلوي والعالم السفلي.
(٤/٧٢)


الصفحة التالية
Icon