﴿والله﴾ أي: الذي له العظمة كلها ﴿أخرجكم﴾ بقدرته وعلمه ﴿من بطون أمّهاتكم﴾ حال كونكم عند الإخراج ﴿لا تعلمون شيئاً﴾ من الأشياء قلّ أو جلّ فالذي أخرجكم منها قادر على إخراجكم من بطون الأرض بلا فرق بل بطريق الأولى. وقرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة والباقون بضمها، وقرأ حمزة بكسر الميم والباقون بفتحها ثم عطف على أخرجكم قوله تعالى: ﴿وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة﴾ آلات لإزالة الجهل الذي وقعت الولادة عليه وفتق مواضعها وسوّاها وعدلها، وأنتم في البطون حيث لا تصل إليه يد ولا يتمكن من شق شيء منه بآلة فالذي قدر على ذلك في البطن إبداعاً قادر على إعادته في بطن الأرض، بل بطريق الأولى. قال البقاعيّ: ولعله تعالى جمعهما، أي: الأبصار والأفئدة دون السمع لأنّ التفاوت فيهما أكثر من التفاوت فيه بما لا يعلمه إلا الله، والأفئدة هي القلوب التي هيأها الله تعالى للفهم وإصلاح البدن بما أودعها من الحرارة اللطيفة للمعاني الدقيقة ﴿لعلكم تشكرون﴾ لتصيروا بمعارف القلوب التي وهبكموها إذا سمعتم المواعظ وأبصرتم الآيات في حال يرجى فيها شكركم لما أفاض عليكم من لطائف صنعه بأن تعرفوا ما له من العلم والقدرة فإنه إنما أنعم عليكم بهذه الحواس لتستعملوها في شكر من أنعم بها عليكم.
فإن قيل: عطف وجعل لكم السمع على أخرجكم يقتضي أن يكون جعل السمع والبصر متأخرين عن الإخراج من البطون مع أنّ الأمر ليس كذلك؟ أجيب: بأنّ حرف الواو لا يوجب الترتيب وأيضاً إذا حملنا السمع على الاستماع والأبصار على الرؤية زال السؤال ثم إنه تعالى ذكر دليلاً آخر على كمال قدررته وحكمته بقوله تعالى:
(٤/٩٧)


الصفحة التالية
Icon