﴿يعرفون نعمة الله﴾ أي: الملك الأعظم التي تقدّم عدّ بعضها في هذه السورة وغيرها ﴿ثم ينكرونها﴾ بعبادتهم غير المنعم بها، وقال السدي: نعمة الله يعني محمداً ﷺ أنكروه وكذبوه. وقيل: نعمة الله هي الإسلام وهو من أعظم النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده، ثم إنّ كفار مكة أنكروه وجحدوه، واختلف في معنى قوله تعالى: ﴿وأكثرهم الكافرون﴾ مع أنهم كلهم كانوا كافرين على وجوه؛ الأوّل: إنما قال تعالى: ﴿وأكثرهم﴾ لأنه كان فيهم من لم تقم عليه الحجة، ممن لم يبلغ حدّ التكليف أو كان ناقص العقل فأراد بالأكثر البالغين الأصحاء. الثاني: أن يكون المراد بالكافر الجاحد المعاند وكان فيهم من لم يكن معانداً بل كان جاهلاً بصدق الرسول وما ظهر له كونه نبياً حقاً من عند الله. الثالث: أنه ذكر الأكثر والمراد الجميع لأنّ أكثر الشيء يقوم مقام الكل، فذكر الأكثر كذكر الجميع، وهذا كقوله تعالى: ﴿الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون﴾ (الزمر، ٢٩)
ولما بين تعالى من حال القوم أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها وذكر أيضاً من حالهم أن أكثرهم كافرون أتبعه بالوعيد فذكر حال يوم القيامة بقوله تعالى: ﴿ويوم﴾ أي: وخوّفهم يوم أو واذكر لهم يوم ﴿نبعث﴾ بعد البعث ﴿من كل أمّة شهيداً﴾ هو نبيها كما قال تعالى: ﴿فكيف إذا جئنا من كل أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً﴾ (النساء، ٤١)
يشهد نبيها لها وعليها يوم القيامة ليحكم تعالى بقوله إجراء للأمر على ما يتعارفون وإن كان تعالى غنياً عن شهيد. وقوله تعالى: ﴿ثم لا يؤذن للذين كفروا﴾ فيه وجوه: أحدها: لا يؤذن لهم في الاعتذار كقوله تعالى: ﴿ولا يؤذن لهم فيعتذرون﴾ (المرسلات، ٣٦)
(٤/١٠٣)