. ثانيها: لا يؤذن لهم في كثرة الكلام. ثالثها: لا يؤذن لهم في الرجوع إلى دار الدنيا وإلى التكليف. رابعها: لا يؤذن لهم في حال شهادة الشهود بل يسكت أهل الجمع كلهم ليشهد الشهود. فإن قيل: ما معنى ثم ههنا؟ أجيب: بأنّ معناها أنهم يمتحنون، أي: يبتلون بغير شهادة الأنبياء عليهم السلام بما هو أطمّ منها وأنهم يمنعون الكلام فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة ﴿ولا هم يستعتبون﴾ أي: لا تزال عتباهم وهي ما يعتبون عليها ويلامون، يقال: استعتبت فلاناً بمعنى اعتبته، أي: أزلت عتباه.
﴿وإذا رأى الذين ظلموا﴾ أي: ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي ﴿العذاب﴾ أي: عذاب جهنم بعد الموقف وشهادة الشهداء ﴿فلا يخفف عنهم﴾ ذلك العذاب ﴿ولا هم ينظرون﴾ أي: لا يمهلون. ولما بين تعالى حاصل أمرهم في البعث وما بعده وكان من أهمّ المهمّ أمرهم في الموقف مع شركائهم الذين كانوا يرجونهم عطف على ذلك بقوله تعالى:
﴿وإذا رأى﴾ أي: بالعين يوم القيامة ﴿الذين أشركوا شركاءهم﴾ أي: الآلهة التي كانوا يدعونها شركاء من الشياطين وغيرها ﴿قالوا ربنا﴾ أي: يا من أحسن إلينا وربانا ﴿هؤلاء شركاؤنا﴾ أضافوهم إلى أنفسهم لأنه لا حقيقة لشركتهم سوى تسميتهم لها الموجبة لضرّهم ثم بينوا المراد بقولهم: ﴿الذين كنا ندعوا﴾ أي: نعبدهم ﴿من دونك﴾ ليقرّبونا إليك فأكرمنا لأجلهم جرياً على مناهجهم في الدنيا في الجهل والغباوة فخاف شركاؤهم من عواقب هذا القول والإقرار عليه سطوات الغضب ﴿فألقوا﴾ أي: الشركاء ﴿إليهم﴾ أي: المشركين ﴿القول﴾ أي: بادروا به حتى كان إسراعهم إليه إسراع شيء ثقيل يلقى من علو وأكدوا قولهم فقالوا: ﴿إنكم لكاذبون﴾ في جعلنا شركاء أو أنكم عبدتمونا حقيقة وإنما عبدتم أهواءكم كقوله تعالى: ﴿كلا سيكفرون بعبادتهم﴾ (مريم، ٨٢)
(٤/١٠٤)


الصفحة التالية
Icon