ثم قال: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ﴿الحمد لله رب العالمين﴾». وفي رواية الموطأ أنه ﷺ نادى أبيّاً وأنه قال له: «كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: أبيّ: فقرأت ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ حتى أتيت إلى آخرها»، وظاهر الآية يدل على أنّ الاستعاذة بعد القراءة وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين وهو قول أبي هريرة وإليه ذهب مالك وداود الظاهريّ. قالوا: لأنّ قارئ القرآن يستحق ثواباً عظيماً وربما حصل الوسواس في قلب القارئ هل حصل له ذلك الثواب أو لا، فإذا استعاذ بعد القرءاة اندفعت تلك الوساوس وبقي الثواب مخلصاً والذي ذهب إليه الأكثرون من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة وفقهاء الأمصار أنّ الاستعاذة مقدّمة على القراءة قالوا: ومعنى الآية إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله وتبعتهم على ذلك فلهذا قدّرت ذلك في الآية الكريمة، ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم﴾ (المائدة، ٦)
ومثله من الكلام إذا أكلت فسمّ، ، أي: إذا أردت أن تأكل فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، وإذا سافرت فتأهب، أي: إذا أردت السفر فتأهب، وأيضاً الوسوسة إنما تحصل في أثناء القراءة فتقديم الاستعاذة على القراءة لتذهب الوسوسة عنه أولى من تأخيرها عن وقت الحاجة إليها. ولما أمر الله تعالى رسوله ﷺ بالاستعاذة من الشيطان، وكان ذلك يوهم أنّ للشيطان قدرة على التصرّف في إتيان الإنسان أزال الله تعالى ذلك الوهم وبيّن أنه لا قدرة له ألبتة إلا على الوسوسة بقوله تعالى:
(٤/١١٩)