﴿من﴾ أي: أيّ مخلوق وقع له أنه ﴿كفر بالله﴾ أي: الذي له صفات الكمال بأن قال أو عمل ما يدل على الكفر ﴿من بعد إيمانه﴾ بالله ورسوله ﷺ ﴿إلا من أكره﴾ أي: على التلفظ بالكفر فتلفظ به ﴿وقلبه مطمئن بالإيمان﴾ فلا شيء عليه لأنّ محل الإيمان هو القلب. روي أنّ قريشاً أكرهوا عماراً وأباه ياسراً وأمّه سمية على الارتداد فربطوا سمية بين بعيرين وقالوا: إنك أسلمت من أجل الرجال فقتلت وقتل ياسر وهما أوّل قتيل في الإسلام، وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرهاً وهو كاره بقلبه فأخبر النبيّ ﷺ بأنه كفر فقال ﷺ «كلا إنّ عماراً امتلأ إيماناً من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه، فجاء النبيّ ﷺ وهو يبكي فجعل رسول الله ﷺ يمسح عينيه ويقول: ما لك إن عادوا لك فقل لهم مثل ما قلت». تنبيه: في الآية دليل على إباحة التلفظ بالكفر وإن كان الأفضل أن يتجنب عنه إعزازاً للدين كما فعله أبواه. ولما روي أن مسيلمة أخذ رجلين فقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟ فقال: رسول الله. قال: فما تقول فيّ؟ قال: أنت أيضاً، فخلاه. وقال للآخر: ما تقول في محمد؟ فقال: رسول الله. قال: فما تقول فيّ؟ قال: أنا أصمّ. فأعاد عليه ثلاثاً فأعاد جوابه فقتله، فبلغ رسول الله ﷺ فقال: «أما الأول فقد أخذ برخصة الله، وأمّا الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له». واختلف الأئمة في وقوع الطلاق بالإكراه فقال الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى: لا يقع طلاق المكره. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: يقع. واستدل الشافعي بقوله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾ (البقرة، ٢٥٦)
(٤/١٢٥)


الصفحة التالية
Icon