فإن قيل: لم عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب؟ أجيب: بأنّ عادة العرب التفنن في الكلام والعدول من أسلوب إلى آخر تحسيناً للكلام وتنشيطاً للسامع فيكون أكثر إسغاءً للكلام فتعدل من الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم وبالعكس فيهما فهذه أقسام أربعة ذكرها البيضاوي والتحقيق كما قاله بعض المتأخرين: أنها ستة لأنّ الملتفت إليه إثنان وكل منهما إمّا غيبة أو خطاب أو تكلم، من ذلك قوله تعالى: ﴿حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم﴾ (يونس، ٢٢) الأصل بكم فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة وقوله تعالى: ﴿وا الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه﴾ (الروم، ٤٨) الأصل فساقه فهو التفات من الغيبة إلى التكلم.
والاستعانة طلب معونة وهي: إمّا ضرورية أو غير ضرورية، فالضرورية ما لا يتأتى الفعل دونه كاقتدار الفاعل وتصوّره وحصول آلة ومادّة يفعل بها فيها وعند استجماع ذلك يوصف الرجل بالاستطاعة ويصح أن يكلف بالفعل، وغير الضرورية تحصيل ما يتيسر به الفعل ويسهل كالراحلة في السفر للقادر على المشي أو يقرّب الفاعل إلى الفعل ويحثه عليه وهذا القسم لا يتوقف عليه صحة التكليف غالباً وقد يتوقف كأكثر الواجبات المالية.
فإن قيل: لم أطلقت الاستعانة؟ أجيب: بأنها إنما أطلقت لأجل أنها تتناول المعونة في المهمات كلها أو في أداء العبادات واستحسن هذا الزمخشريّ قال: لتلاؤم الكلام وأخذ بعضه بحجزة بعض.
تنبيه: الضمير المستكن في نعبد ونستعين للقارىء ومن معه من الحفظة وحاضري صلاة الجماعة أو له ولسائر الموحدين أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم وخلط حاجته بحاجتهم لعل عبادته تقبل ببركة عبادتهم وحاجته يجاب إليها ببركة حاجتهم ولهذا شرعت الجماعة في الصلاة.
(١/٢٠)


الصفحة التالية
Icon