والأمن في مكة كان كذلك، لأنّ العرب كان يغير بعضهم على بعض دون أهل مكة فإنهم كانوا أهل حرم الله والعرب كانوا يحترمونهم ويخصونهم بالتعظيم والتكريم. ﴿مطمئنة﴾ أي: قارة بأهلها لا يحتاجون فيها إلى نجعة وانتقال، بسبب زيادة الأمن بكثرة العدد وقوّة المدد وكف الله تعالى الناس عنها ووجود ما يحتاج إليه أهلها. فإن قيل: الاطمئنان هو الأمن فيلزم التكرار؟ أجيب: بأنّ قوله تعالى: ﴿آمنة﴾ إشارة إلى الأمن وقوله تعالى: ﴿مطمئنة﴾ أي: لا يحتاجون فيها إلى نجعة كما مرّ، وقيل: أشار تعالى بذلك إلى الصحة لأنّ هواء ذلك البلد كان ملائماً لأمزجتهم فلذلك اطمأنوا إليه واستقرّوا. قالت العقلاء: ثلاثة ليس لها نهاية الأمن والصحة والكفاية. ﴿يأتيها﴾ أي: على سبيل التجدّد والاستمرار ﴿رزقها رغداً﴾ أي: واسعاً طيباً ﴿من كل مكان﴾ برّ وبحر بتيسير الله تعالى. ولما كانت السعة تجر إلى البطر غالباً نبه تعالى على ذلك بقوله تعالى: ﴿فكفرت بأنعم الله﴾ أي: الذي له الكمال كله وأنعم جمع نعمة. قال الزمخشري: على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وأدرع. وقال قطرب: هي جمع نعم والنعم النعمة، يقال: هذه أيام نعم وطعم فلا تصوموا، وقيل: جمع نعماء مثل بأساء وأبؤس. فإن قيل: الأنعم جمع قلة فكأنّ تلك القرية كفرت بأنواع قليلة من نعم الله فعذبها الله تعالى فلم لم يقل تعالى: كفروا بنعم عظيمة فاستوجبوا العذاب؟ أجيب: بأنّ المقصود التنبيه بالأدنى على الأعلى فإن كفران النعم القليلة لما أوجب العذاب فبكفران النعم الكثيرة أولى وبأنّ الله تعالى أنعم عليهم بالنعمة العظيمة وهو محمد ﷺ فكفروا به وبالغوا في إيذائه. ﴿فأذاقها الله﴾ أي: المحيط بكل شيء ﴿لباس الجوع﴾ بعد رغد العيش سبع سنين وقطعت العرب عنهم الميرة بأمر رسول الله ﷺ حتى جهدوا وأكلوا العظام المحرقة والجيف والكلاب الميتة، وقيل: إنّ القرية غير مكة لأنها ضربت مثلاً لمكة ومثل مكة