وتقدّم تفسير قوله تعالى: ﴿إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فإنّ الله غفور رحيم﴾ في سورة البقرة فلا إفادة في تفسير ذلك. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة فمن اضطر في الوصل بكسر النون والباقون بالضمّ. تنبيه: حصر المحرمات في هذه الأشياء الأربعة مذكور أيضاً في سورة الأنعام عند قوله تعالى: ﴿قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّماً على طاعم يطعمه﴾ (الأنعام، ١٤٥)
الآية. وفي سورة المائدة في قوله تعالى: ﴿أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم﴾ (المائدة، ٤١)
وأجمعوا على أنّ المراد بقوله تعالى: ﴿إلا ما يتلى عليكم﴾ هو قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله﴾ (البقرة، ١٧٣)
وقوله تعالى في المائدة: ﴿والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم﴾ (المائدة، ٣)
فهذه الأشياء داخلة في الميتة. ثم قال تعالى: ﴿وما ذبح على النصب﴾ (المائدة، ٣)
وهو أحد الأشياء الداخلة تحت قوله تعالى: ﴿وما أهل به لغير الله﴾ (البقرة، ١٧٣)
فثبت أنّ هذه السور الأربعة دالة على حصر المحرمات في هذه الأربعة سورتان مكيتان وسورتان مدنيتان، فإنّ سورة البقرة مدنية وسورة المائدة من آخر ما أنزل الله بالمدينة، فمن أنكر حصر التحريم في هذه الأربعة إلا ما خصه الإجماع والدلائل العقلية القاطعة كان في محل أن يخشى عليه، لأنّ هذه السورة دلت على أنّ حصر المحرمات في هذه الأربعة كان مشروعاً ثابتاً في أوّل زمان مكة وآخره، وأوّل زمان المدينة وأنه تعالى أعاد هذا البيان في هذه السور الأربعة قطعاً للأعذار وإزالة للشبهة. ولما حصر تعالى المحرمات في هذه الأربع بالغ في تأكيد ذلك الحصر وزيف طريقة الكفار وفي الزيادة على هذه الأربعة تارة وفي النقصان عنها أخرى بقوله تعالى:
(٤/١٣٢)