﴿ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام﴾ لما لم يحله الله ولم يحرمه فإنهم كانوا يحرّمون البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وكانوا يقولون: ﴿ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا﴾ (الأنعام، ١٩٣)
(٤/١٣٣)
فقد زادوا في المحرمات وزادوا أيضاً في المحللات لأنهم حللوا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فبيّن تعالى أنّ المحرمات هي هذه الأربعة وبين أن الأشياء التي يقولون هذا حلال وهذا حرام كذب وافتراء على الله تعالى. تنبيه: في انتصاب الكذب وجهان؛ أحدهما: قال الكسائي: ما مصدرية والتقدير ولا تقولوا لأجل وصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام نظيره أن يقال: لا تقولوا لكذا وكذا كذا وكذا. فإن قيل: حمل الآية على هذا يؤدّي إلى التكرار لأنّ قوله تعالى: ﴿لتفتروا على الله الكذب﴾ عين ذلك؟ أجيب: بأنّ قوله تعالى: ﴿لما تصف ألسنتكم الكذب﴾ ليس فيه بيان أنه كذب على الله فأعاده ليحصل فيه هذا البيان الزائد. ونظيره في القرآن كثير، وهو أنه تعالى يذكر كلاماً ويعيده بعينه مع فائدة زائدة. الثاني: أن تكون ما موصولة والتقدير: ولا تقولوا للذي تصف ألسنتكم الكذب فيه هذا حلال وهذا حرام، وحذف لفظ فيه لكونه معلوماً، وقيل: اللام في لتفتروا لام العاقبة كما في قوله تعالى: ﴿ليكون لهم عدوًّا وحزناً﴾ (القصص، ٨)
. فإن قيل: ما معنى وصف ألسنتكم الكذب؟ أجيب: بأنّ ذلك من فصيح الكلام وبليغه جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه وإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته وصورته بصورته، كقولهم: وجهها يصف الجمال، أي: هي جميلة، وعينها تصف السحر، أي: هي ساحرة فلما أرادوا المبالغة في وصف الوجه بالجمال ووصف العين بالسحر عبروا بذلك.


الصفحة التالية
Icon