﴿ثم إن ربك﴾ أي: المحسن إليك ﴿للذين عملوا السوء﴾ وهو يتناول كل ما لا ينبغي فعله فيشمل الكفر وسائر المعاصي ﴿بجهالة﴾ أي: بسببها أو ملتبسين بها ليعمّ الجهل بالله وبقضائه وعدم التدبر في العواقب، فكل من عمل سوءاً إنما يفعله بالجهالة، أما الكفر فلأن أحداً لا يرضى به مع العلم بكونه كفراً لأنه لو لم يعتقد كونه حقاً فإنه لا يختاره ولا يرتضيه، وأما المعصية فلأن العالم لم تصدر منه المعصية ما لم تصر الشهوة غالبة للعقل، فثبت أنّ كل من عمل السوء فإنما يقدم عليه بسبب الجهالة. ﴿ثم تابوا من بعد ذلك﴾ أي: الذنب ولو كان عظيماً واقتصروا على ما أذن فيه خالقهم ﴿وأصلحوا﴾ بالاستمرار على ذلك ﴿إن ربك﴾ أي: المحسن إليك بتسهيل دينك وتيسيره ﴿من بعدها﴾ أي: التوبة ﴿لغفور﴾ أي: بليغ الستر لما عملوا من السوء ﴿رحيم﴾ أي: بليغ الرحمة محسن بالإكرام فضلاً منه ونعمة. ولما دعاهم الله تعالى إلى مكارم الأخلاق ونهاهم عن مساوئها بقبوله لمن أقبل إليه وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام رئيس الموحدين لا جرم ذكره الله تعالى في آخر هذه السورة ووصفه بتسع صفات. الصفة الأولى: قوله تعالى:
﴿إن إبراهيم كان أمّة﴾ أي: لكماله واستجماعه فضائل لا تكاد توجد إلا متفرّقة في أشخاص كثيرة كقول القائل:
وليس لله، أي: من الله ـ بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
أي أن يجمع صفاتهم في شخص واحد. وقال مجاهد: كان مؤمناً وحده والناس كلهم كانوا كفاراً فلهذا المعنى كان وحده أمّة واحدة. وكان النبيّ ﷺ يقول في زيد بن عمرو بن نفيل: «يبعثه الله امّة واحدة». وعن شهر بن حوشب لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله تعالى بهم عن أهل الأرض إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده، وقيل: أمّة فعلة بمعنى مفعول كالدخلة والنخبة من أمّه إذا قصده واقتدى به، فإنّ الناس كانوا يؤمونه للاستفادة ويقتدون بسيره كقوله تعالى: ﴿إني جاعلك للناس إماماً﴾ (البقرة، ١٢٤)
(٤/١٣٦)