تنبيه: كل من أتى بفعل إما أن يقصد به تحصيل خيرات الدنيا، وإمّا أن يقصد به خيرات الآخرة، وإمّا أن يقصد به مجموعهما، وإمّا أن لا يقصد به واحداً منهما. فإن قصد به تحصيل الدنيا فقط أو تحصيل الآخرة فقط فالله ذكر حكم هذين القسمين في هذه الآية. وأمّا القسم الثالث فيقسم إلى ثلاثة أقسام: إمّا أن يكون طلب الآخرة راجحاً أو مرجوحاً أو يكون الطلبان متعادلين، فإن كان طلب الآخرة راجحاً فهل يكون هذا العمل مقبولاً عند الله تعالى؟ فيه رأيان:
أحدهما أنه غير مقبول لقوله ﷺ حاكياً عن الله تعالى أنه قال: «أنا أغنى الأغنياء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه». وأيضاً طلب رضوان الله إمّا أن يكون سبباً مستقلاً لكونه باعثاً لهم على ذلك الفعل وداعياً إليه، وإمّا أن لا يكون، فإن كان الأوّل امتنع أن يكون لغيره مدخل في ذلك البعث والدعاء لأنّ الحكم إذا أسند لسبب تام كامل امتنع أن يكون لغيره مدخل فيه، وإن كان الثاني فيكون الداعي إلى ذلك الفعل هو المجموع، وذلك المجموع ليس هو طلب رضوان الله لأنّ المجموع الحاصل من الشيء ومن غيره يجب أن يكون مغايراً لطلب رضوان الله فوجب أن لا يكون مقبولاً.
الرأي الثاني: أنه مقبول لأنّ طلب الآخرة لما كان راجحاً على طلب الدنيا تعارض المثل بالمثل فبقي القدر الزائد داعية خالصة لطلب الآخرة فوجب كونه مقبولاً، وأمّا إذا كان طلب الدنيا وطلب الآخرة متعادلين أو كان طلب الدنيا راجحاً فقد اتفقوا على أنه غير مقبول إلا أنه على كل حال خير مما إذا كان طلب الدنيا خالياً بالكلية عن طلب الآخرة.
(٤/١٩١)


الصفحة التالية
Icon