وأمّا القسم الرابع وهو الإقدام على الفعل من غير داع فهذا مبنّي على أنّ صدور الفعل من القادر هل يتوقف على حصول الداعي أم لا فالذين يقولون إنه يتوقف على حصول الداعي قالوا هذا القسم ممتنع الحصول والذين قالوا لا يتوقف قالوا هذا الفعل لا أثر له في الباطن وهو محرم في الظاهر لأنه عبث. ثم إنه تعالى قال:
﴿كلاًّ﴾ أي: من الفريقين مريد الدنيا ومريد الآخرة ﴿نمدّ﴾ أي: بالعطاء ثم أبدل من كلاً قوله تعالى ﴿هؤلاء﴾ أي: الذين طلبوا الدنيا نمدّ ﴿وهؤلاء﴾ أي: الذين طلبوا الآخرة نمدّ ﴿من عطاء ربك﴾ أي: المحسن إليك إن ضيق على مؤمن فبالحماية من الدنيا الفانية التي إنما هي لعب ولهو وإن وسع فبالاستعمال فيها على حسب ما يرضيه ﴿وما كان عطاء ربك﴾ أي: الموجد لك المدبر لأمرك ﴿محظوراً﴾ أي: ممنوعاً في الدنيا عن مؤمن ولا كافر بل هو ملء السهل والجبل من الذهب والفضة والحديد والنحاس والجواهر والثمار وأقوات الناس والبهائم وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى حتى لو اجتمع كل الناس على جمعه ليلاً ونهاراً ولم يكن لهم شغل سوى ذلك لأعياهم ولم يقدروا عليه فسبحان الجواد المعطي المانع ثم إنه تعالى أمر بالنظر في عطائه هذا على وجه مرغب في الآخرة مزهد في الدنيا بقوله تعالى:
(٤/١٩٢)
﴿انظر﴾ أي: أيها الإنسان أو يا محمد ﴿كيف فضلنا بعضهم على بعض﴾ فأوسعنا على مؤمن وقترنا على مؤمن آخر وأوسعنا على كافر وقترنا على كافر آخر وبين سبحانه وتعالى وجه الحكمة في التفاوت في سورة الزخرف بقوله تعالى: ﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات﴾ (الزخرف، ٣٢)
الآية. وقال تعالى في آخر سورة الأنعام: ﴿ورفع بعضكم فوق بعض درجات﴾ (الأنعام، ٦٥)


الصفحة التالية
Icon