﴿فتقعد﴾ أي: توجد كالمقعد ﴿ملوماً﴾ أي: بليغ الرسوخ فيما يلام بسببه عند الله لأنّ ذلك مما نهى الله عنه عند نفسك وعند الناس لأنه يلوم نفسه وأصحابه أيضاً يلومونه على تضييع المال بالكلية. ﴿محسوراً﴾ أي: منقطعاً بك لذهاب ما تقوى به. قال القفال: شبه حال من أنفق كل ماله بمن انقطع في سفره بسبب انقطاع مطيته لأنّ ذلك المقدار من المال كأنه مطية تحمل الإنسان إلى آخر الشهر والسنة، كما أنّ ذلك البعير يحمله ويبلغه إلى آخر المنزل فإذا انقطع ذلك البعير بقي في وسط الطريق عاجزاً متحيراً فكذلك الإنسان إذا أنفق مقدار ما يحتاج إليه في مدّة شهر في أقل منه بقي في وسط ذلك الشهر عاجزاً متحيراً ومن فعل ذلك لحقه اللوم من أهله والمحتاجين إلى إنفاقه عليهم بسبب سوء تدبيره وترك الحرم في مهمات معاشه ثم قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
﴿إن ربك﴾ أي: المحسن إليك ﴿يبسط الرزق﴾ أي: بوسعه ﴿لمن يشاء﴾ البسط دون غيره ﴿ويقدر﴾ أي: يضيقه سواء قبض يده أم بسطها لأنّ الرب هو الذي يربي المربوب ويقوم بإصلاح مهماته ورفع درجاته على مقدار الصلاح في الصواب فيوسع الرزق على البعض ويضيقه على البعض، لأنّ ذلك هو الصلاح قال تعالى: ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء﴾ (الشورى، ٢٧)
. ﴿إنه كان بعباده خبيراً﴾ أي: بالغ الخبر ﴿بصيراً﴾ أي: بالغ البصر بما يكون من كل من القبض والبسط لهم مصلحة ومفسدة فالتفاوت في أنه ربى العباد ليس لأجل بخل بل لأجل رعاية مصلحة لا يعلم بها العبد فسبحان المتصرف في عباده كيف يشاء. ولما أتم سبحانه وتعالى الوصية بالأصول وما يتبع ذلك أوصى بالفروع بقوله تعالى:
(٤/٢٠٩)


الصفحة التالية
Icon