الوجه الثاني: أنه حال ثانية والجملة المنفية قبله حال أيضاً كما مرّ وتعدّد الحال الذي حال واحد جائز، والتقدير أنزله غير جاعل له عوجاً قيماً. الوجه الثالث: أنه حال أيضاً ولكنه بدل من الجملة قبله لأنها حال وإبدال المفرد من الجملة إذا كانت بتقدير مفرد جائز. ولما ذكر تعالى أنه أنزل على عبده هذا الكتاب الموصوف بما ذكر أردفه ببيان ما لأجله أنزله بقوله عز وجلّ: ﴿لينذر﴾، أي: يخوّف الكتاب الكافرين ﴿بأساً﴾، أي: عذاباً ﴿شديداً من لدنه﴾، أي: صادراً من عنده، وقرأ شعبة بإسكان الدال وكسر النون والهاء وصلة الهاء بياء والباقون بضم الدال وسكون النون وضم الهاء، وابن كثير على أصله بضم الهاء في الوصل بواو. ﴿ويبشر المؤمنين﴾، أي: الراسخين في هذا الوصف، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء التحتية وسكون الموحدة، وضم الشين مخففة والباقون بضم التحتية وفتح الموحدة وكسر الشين مشدّدة. ﴿الذين يعملون الصالحات﴾ وهي ما أمر به خالصاً له وذانك الشيئان مفتاح الإيمان. ﴿أنّ لهم﴾، أي: بسبب أعمالهم ﴿أجراً حسناً﴾ هو الجنة حال كونهم.
﴿ماكثين فيه أبداً﴾ بلا انقطاع أصلاً فإنّ الأبد زمان لا آخر له، وقوله تعالى: ﴿وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً﴾ معطوف على قوله تعالى: ﴿لينذر بأساً شديداً من لدنه﴾ والمعطوف يجب كونه مغايراً للمعطوف عليه، فالأوّل عام في حق كل كافر، والثاني خاص بمن أثبت لله ولداً. وعادة القرآن جارية بأنه إذاذكر قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها تنبيهاً على كونه أعظم جزئيات ذلك الكلي كقوله تعالى: ﴿وملائكته ورسله وجبريل وميكال﴾ (البقرة، ٩٨) فكذا ههنا هذا العطف يدل على أنّ أقبح أنواع الكفر إثبات الولد لله تعالى.
(٥/٤)


الصفحة التالية
Icon