﴿إذ نادى ربه نداء﴾ مشتملاً على دعاء ﴿خفياً﴾ أي: سراً جوف الليل؛ لأنه أسرع إلى الإجابة وإن كان الجهر والإخفاء عند اللّه سيان، وقيل: أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في زمن الشيخوخة، وقيل: أسره من مواليه الذين خافهم، وقيل: خفت صوته لضعفه وهرمه، كما جاء في صفة الشيخ صوته خفات وسمعه تارات.
فإن قيل: من شرط النداء الجهر فكيف الجمع بين كونه نداء وخفياً؟.
أجيب: بوجهين، الأول: أنه أتى بأقصى ما قدر عليه من رفع الصوت إلا أن صوته كان ضعيفاً لنهاية ضعفه بسبب الكبر فكان نداءً نظراً إلى القصد خفياً نظراً إلى الواقع، الثاني: أنه دعا في الصلاة لأن اللّه تعالى أجابه في الصلاة لقوله تعالى: ﴿فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن اللّه يبشرك﴾ (آل عمران، ٣٩)
وكون الإجابة في الصلاة يدلّ على كون الدعاء فيها فيكون النداء فيها خفياً.
تنبيه: في ناصب إذ ثلاثة أوجه، أحدها: أنه ذكر ولم يذكر الحوفي غيره، والثاني: رحمة ولم يذكر الجلال المحلى غيره وذكر الوجهين أبو البقاء، والثالث: أنه بدل من زكريا بدل اشتمال لأن الوقت مشتمل عليه ثم كأنه قيل: ما ذلك النداء؟ فقيل:
(٥/١٥١)
﴿قال ربّ﴾ بحذف الأداة للدلالة على غاية القرب ﴿إني وهن﴾ أي: ضعف جداً ﴿العظم مني﴾ أي: هذا الجنس الذي هو أقوى ما في بدني ولو جمع لأوهم أنه وهن مجموع عظامه لا جميعها وقوله: ﴿واشتعل الرأس﴾ أي: مني ﴿شيباً﴾ تمييز محوّل عن الفاعل أي: انتشر الشيب في شعره كما ينتشر شعاع النار في الحطب وإني أريد أن أدعوك ﴿ولم أكن بدعائك﴾ أي: بدعائي إياك ﴿رب شقياً﴾ أي: خائباً فيما مضى فلا تخيبني فيما يأتي وإن كان ما أدعو به في غاية البعد في العادة لكنك فعلت مع أبي إبراهيم مثله فهو دعاء وشكر واستعطاف، ثم عطف على قوله: إني وهن قوله:


الصفحة التالية
Icon