فذكر أولاً كبر سنه ثم عقر امرأته، وفي هذه السورة قال: ﴿أنّى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً﴾، وأجيب بأن الواو لا تقتضي الترتيب، الثالث: قال في آل عمران وقد بلغني الكبر، وقال هنا: وقد بلغت من الكبر عتياً وأجيب بأن ما بلغك فقد بلغته، الرابع: قال في آل عمران: ﴿آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً﴾، وقال هنا: ثلاث ليال سوياً وأجيب بأن الآيتين دلتا على أن المراد ثلاثة أيام بلياليهنّ كما مرّ.
القصة الثانية قصة مريم وابنها عيسى عليهما السلام ولما كانت قصة عيسى عليه السلام أغرب من قصة يحيى لأن خلق الولد من شخصين فانيين أقرب إلى مناهج العادات من خلق الولد لا من أب البتة وأحسن طرق التعليم والفهم الأخذ من الأقرب فالأقرب مرتقياً إلى الأصعب فالأصعب، أشار إلى ذلك بتغيير السياق فقال عاطفاً على ما تقديره اذكر هذا لهم
(٥/١٦٠)
﴿واذكر﴾ بلفظ الأمر ﴿في الكتاب﴾ أي: القرآن ﴿مريم﴾ أي: قصتها وهي ابنة عمران خالة يحيى كما في الصحيح من حديث أنس بن مالك بن صعصعة الأنصاري في حديث الإسراء «فلما خلصت فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا خالة» ثم أبدل من مريم بدل اشتمال فقال: ﴿إذ﴾ أي: اذكر ما اتفق لها حين ﴿انتبذت﴾ أي: كلفت نفسها أن اعتزلت وانفردت ﴿من أهلها﴾ حالة ﴿مكاناً شرقياً﴾ أي: شرقي بيت المقدس. وقال الرازي: شرقي دارها، وعن ابن عباس إني لأعلم خلق اللّه تعالى لأي شيء اتخذت النصارى الشرق قبلة لقوله تعالى: ﴿مكاناً شرقياً﴾ فاتخذت ميلاد عيسى قبلة، واقتصر الجلال المحلي على الشرق من الدار وتردّد البيضاوي بينهما فقال: شرقيّ بيت المقدس أو شرقي دارها انتهى، ويحتمل أن يكون شرقي بيت المقدس هو شرقي دارها فلا مخالفة


الصفحة التالية
Icon