فلم تذكر البغي، ويجوز أن يقال: إنها أفردت ذكر البغي مع دخوله في الكلام الأول لأنه أعظم ما في بابه فهو نظير قوله تعالى: ﴿حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى﴾ (البقرة، ٢٣٨)
وقوله تعالى: ﴿وملائكته ورسله وجبريل وميكال﴾ (البقرة، ٩٨)
﴿قال﴾ لها جبريل عليه السلام الأمر ﴿كذلك﴾ من خلق غلام منك بغير أب. ولما كان لسان الحال قائلاً كيف يكون بغير سبب أجاب جبريل بقوله: ﴿قال ربك هو﴾ أي: المذكور وهو إيجاد الولد على هذه الهيئة ﴿عليّ﴾ وحدي لا يقدر عليه غيري ﴿هيّن﴾ أي: بأن ينفخ بأمري جبريل فيك فتحملي به ولكون ما ذكر في معنى العلة عطف عليه ﴿ولنجعله﴾ بما لنا من العظمة ﴿آية للناس﴾ أي: علامة على كمال قدرتنا على البعث أدل من الآية في يحيى عليه السلام وبه تمام القسمة الرباعية في خلق البشر فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر وحواء من ذكر بلا أثنى وآدم عليه السلام لا من ذكر ولا أنثى وبقية أولاده من ذكر وأنثى معاً ﴿ورحمة منا﴾ على العباد يهتدون به ﴿وكان﴾ ذلك كله ﴿أمراً مقضياً﴾ به في علمي وقوله تعالى:
﴿فحملته﴾ فيه حذف تقديره فنفخنا فيها فحملته دل على ذلك قوله تعالى في سورة التحريم: ﴿ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا﴾ (الأنبياء، ٩١)، واختلف في النافخ فقال بعضهم: كان النفخ من اللّه تعالى لهذه الآية ولأنه تعالى قال: ﴿إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم﴾ (آل عمران، ٥٩)
ومقتضى التشبيه حصول المشابهة إلا فيما أخرجه الدليل، وفي حق آدم النافخ هو اللّه تعالى قال تعالى: ﴿ونفخت فيه من روحي﴾ (الحجر، ٢٩)
(٥/١٦٤)


الصفحة التالية
Icon