وقيل: هو إخبار عما كتب في اللوح المحفوظ كما قيل للنبي ﷺ متى كنت نبياً قال كنت وآدم بين الروح والجسد وقال الأكثرون أوتي الإنجيل وهو صغير طفل وكان يعقل عقل الرجال وقال الحسن أُلهم التوراة وهو في بطن أمه. الصفة الرابعة قوله:
﴿وجعلني مباركاً﴾ بأنواع البركات ﴿أينما﴾ أي في أي مكان ﴿كنت﴾ وذكروا في تفسير المبارك وجوها.
أحدها: أنّ البركة في اللغة هي الثبات وأصله من بروك البعير ومعناه وجعلني ثابتاً على دين الله تعالى مستمرّاً عليه.
(٥/١٧٦)
ثانيها: إنما كان مباركاً لأنه كان يعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى طريق الحق فإن ضلوا فمن قبل أنفسهم لا من قبله، روى الحسن عن النبيّ ﷺ أنه قال: سلمت أم عيسى عيسى إلى الكتاب فقالت للمعلم أدفعه إليك على أن لا تضربه فقال له المعلم اكتب فقال: أيّ شيء أكتب؟ فقال: اكتب أبجد، فرفع عيسى عليه السلام رأسه فقال هل تدري ما أبجد؟ فعلاه بالدرّة ليضربه فقال: يا مؤّدب لا تضربني إن كنت لا تدري فاسألني فإنني أعلمك؛ الألف من آلاء الله والباء من بهائه والجيم من جماله والدال من أداء الحق إلى الله تعالى».
ثالثها: البركة الزيادة والعلوّ فكأنه قال: جعلني في جميع الأحوال منجحاً مفلحاً لأني ما دمت أتقي الله في الدنيا أكون مستعلياً على الغير بالحجة فإذا جاء الوقت المعلوم أكرمني الله تعالى بالرفع إلى السماء.
رابعها: مباركاً على الناس من حيث يحصل بسبب دعائه إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وعن قتادة أنّ امرأة رأته وهو يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص فقالت طوبى لبطن حملك وثدي أرضعت به فقال عيسى مجيباً لها طوبى لمن تلا كتاب الله واتبع ما فيه ولم يكن جباراً شقياً
تنبيه: قوله: أينما كنت يدل على أنّ حاله لم يتغير كما قيل أنه عاد إلى حال الصغر وزوال التكليف.