الصفة الخامسة قوله: ﴿وأوصاني بالصلاة﴾ له طهرة للنفس ﴿والزكاة﴾ طهرة للمال فعلاً في نفسي وأمراً لغيري ﴿ما دمت حيا﴾ ليكون ذلك حجة على من ادّعى أنه إله لأنه لا شبهة في أنّ من يصلي إلى إله ليس بإلاه.
(٥/١٧٧)
فإن قيل: كيف يؤمر بالصلاة والزكاة مع أنه كان طفلاً والقلم مرفوع عن الصغير لقوله ﷺ «رفع القلم عن ثلاث» الحديث. أجيب بوجهين؛ الأوّل: أنّ ذلك لا يدل على أنه تعالى أوصاه بأدائهما في الحال بل بعد البلوغ فيكون المعنى أوصاني بأدائهما في وقت وجوبهما عليّ وهو وقت البلوغ، الثاني: أنّ عيسى لما انفصل صيره الله بالغاً عاقلاً تامّ الخلقة ويدل عليه قوله تعالى: ﴿إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم﴾ (آل عمران، ٥٩)
فكما أنه تعالى خلقه آدم تاماً كاملاً دفعة فكذا القول في عيس عليه السلام، قال الرازي: وهذا أقرب إلى ظاهر اللفظ لقوله ما دمت حياً فهذ يفيد أن هذا التكليف متوجه عليه جميع زمان حياته.
فإن قيل: لو كان الأمر كذلك لكان القوم حين رأوه رأوا شخصاً كامل الأعضاء تام الخلقة وصدور الكلام عن مثل هذا الشخص لا يكون عجباً فكان ينبغي أن لا يتعجبوا.
أجيب: بأنه تعالى جعله مع صغر جثته قويّ التركيب كامل العقل بحيث كان يمكنه أداء الصلاة والزكاة والآية والة على أن تكليفه لم يتغير حين كان في الأرض وحين رفع إلى السماء وحين ينزل.
الصفة السادسة قوله:
﴿وبرّا﴾ أي: وجعلني بارا ولما كان السياق لبراءة والدته قال: ﴿بوالدتي﴾ أي: التي أكرمها الله تعالى بإحصان الفرج والحمل بي من غير ذكر وفي ذلك إشارة إلى تنزيه أمّه عن الزنا إذ لو كانت زانية لما كان الرسول المعصوم مأموراً بتعظيمها.