تنبيه: إنما سمى كل من اليهود والنصارى بما ذكر مع أنه مغضوب عليه وضالّ لاختصاص كل منهما بما غلب عليه، وقال ﷺ «إن المغضوب عليهم اليهود وإنّ الضالين النصارى» رواه ابن حبان وصححه، وقيل: المغضوب عليهم العصاة والضالين الجاهلون بالله لأنّ المنعم عليه من وفق للجمع بين معرفة الحق لذاته والخير للعمل، به فكان المقابل. له من اختلّ إحدى قوّتيه العاقلة والعاملة والمخل بالعمل فاسق مغضوب عليه لقوله تعالى في القاتل عمداً: ﴿وغضب الله عليه﴾ (النساء، ٩٧) والمخل بالعمل جاهل ضال لقوله تعالى: ﴿فماذا بعد الحق إلا الضلال﴾ (يونس: ٣٢).
فإن قيل: ما معنى غضب الله لأنّ الغضب ثوران النفس عند إرادة الانتقام أو تغير يحصل عند ثوران دم القلب إرادة الانتقام وهو محال في حقه تعالى؟ أجيب: بأنه إذا أسند إلى الله تعالى أريد به المنتهى والغاية فمعناه إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم وأن يفعل بهم ما يفعل الملك إذا غضب على من تحت يده نعوذ بالله من غضبه ونسأله رضاه ورحمته.
فإن قيل: أيّ فرق بين عليهم الأولى والثانية؟ أجيب: بأنّ محل مجرور الأولى النصب على المفعولية ومحل مجرور الثانية الرفع لأنه نائب مناب الفاعل.
فإن قيل: لم دخلت لا في ﴿ولا الضالين﴾؟ أجيب: بأنها بمعنى غير كما قرّرته تبعاً للجلال المحلى، وأنها مزيدة كما قال الزمخشري لتأكيد ما في غير من معنى النفي، كأنه قال: لا المغضوب عليهم ولا الضالين، وللتصريح بتعلق النفي بكل من المعطوف والمعطوف عليه.
فائدة: أوّل السورة مشتمل على الحمد لله والثناء عليه والمدح له وآخرها مشتمل على الذمّ للمعرضين عن الإيمان به والإقرار بطاعته وذلك يدلّ على أنّ مطلع الخيرات وعنوان السعادات هو الإقبال على الله ومطلع الآفات ورأس المخالفات هو الإعراض عن الله تعالى والبعد عن طاعته والاجتناب عن خدمته.
(١/٢٥)