فإن قيل: لو وقعت هذه الواقعة في شريعتنا ما حكمها؟ أجيب: بأن أبا حنيفة وأصحابه لا يرون فيها ضماناً بالليل أو بالنهار إلا أن يكون مع البهيمة سائق أو قائد لقوله ﷺ «جرح العجماء جبار»، أي: هدر رواه الشيخان وغيرهما، والشافعي وأصحابه يوجبون الضمان بالليل إذ المعتاد ضبط الدواب ليلاً، ولذلك قضى النبيّ ﷺ لما دخلت ناقة البراء حائطاً وأفسدته، فقال على: «أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل الماشية حفظها بالليل»، ولما كان ذلك ربما أوهم شيئاً في أمر داود، نفاه بقوله تعالى: ﴿وكلاً﴾ أي: منهما ﴿آتينا حكماً﴾ أي: نبوّة وعملاً مؤسساً على حكمة العلم ﴿وعلماً﴾ مؤيداً بصالح العمل، وعن الحسن لولا هذه الآية لرأيت القضاة قد هلكوا، ولكنه تعالى أثنى على سليمان عليه السلام لصوابه، وعلى داود باجتهاده انتهى، وهذا على الرأي الثاني، وعليه أكثر المفسرين، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ﷺ «إذا حكم الحاكم فاجتهد، فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ، فله أجر»، وهل كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد لا بعينه؟ رأيان أظهرهما الثاني، وإن كان مخالفاً لمفهوم الآية إذ لو كان كل مجتهد مصيباً لم يكن للتقسيم في الحديث معنى وقوله ﷺ وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر لم يرد به أنه يؤجر على الخطأ بل يؤجر على اجتهاده في طلب الحق؛ لأنّ اجتهاده عبادة، والإثم في الخطأ عنه موضوع.
(٥/٣٨٥)


الصفحة التالية
Icon