﴿كتب﴾ أي: قدّر وقضي على سبيل الحتم الذي لا بدّ منه تعبيراً باللازم عن الملزوم ﴿عليه﴾ أي: على ذلك الشيطان ﴿أنه﴾ أي: الشأن ﴿من تولاه﴾ أي: فعل معه فعل الولي مع وليه باتباعه والإقبال على ما يزينه ﴿فإنه يضله﴾ بما يبغض إليه من الطاعات، فيخطىء سبيل الخير ﴿ويهديه﴾ أي: بما يزين له من الشهوات الحاملة على الزلات ﴿إلى عذاب السعير﴾ أي: النار، ثم ألزم الحجة منكري البعث بقوله تعالى:
﴿يا أيها الناس﴾ أي: كافة ويجوز أن يراد به المنكر فقط ﴿إن كنتم في ريب﴾ أي: شك وتهمة وحاجة إلى البيان ﴿من البعث﴾ وهو قيام الأجسام بأرواحها كما كانت قبل مماتها فتفكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أنّ القادر على خلقكم أوّلاً قادر على خلقكم ثانياً، ثم إنه سبحانه وتعالى ذكر مراتب الخلقة الأولى أموراً سبعة:
المرتبة الأولى: قوله تعالى: ﴿فإنّا خلقناكم﴾ بقدرتنا التي لا يتعاظمها شيء ﴿من تراب﴾ لم يسبق له اتصاف بالحياة، وفي الخلق من تراب وجهان؛ أحدهما: أنا خلقنا أصلكم وهو آدم عليه الصلاة والسلام من تراب كما قال تعالى: ﴿كمثل آدم خلقه من تراب﴾ (آل عمران، ٥٩)، الثاني: من الأغذية والأغذية إمّا حيوانية وإما نباتية وغذاء الحيوان ينتهي إلى النبات قطعاً للتسلسل والنبات إنما يتولد من الأرض والماء، فصح قوله تعالى: ﴿إنا خلقناكم من تراب﴾.
المرتبة الثانية: قوله تعالى: ﴿ثم من نطفة﴾ وحالها أبعد شيء عن حال التراب فإنها بيضاء سائلة لزجة صافية كما قال تعالى: ﴿من ماء دافق﴾ وأصلها الماء القليل؛ قاله البغوي، وأصل النطف الصب؛ قاله البيضاوي.
المرتبة الثالثة: قوله تعالى: ﴿ثم من علقة﴾ أي: قطعة دم حمراء جامدة ليس فيها أهلية للسيلان، ولا شك أن بين الماء وبين الدم الجامد مباينة شديدة.
(٥/٤٣٥)