المرتبة الرابعة: قوله تعالى: ﴿ثم من مضغة﴾ أي: قطعة لحم صغيرة وهي في الأصل قدر ما يمضغ ﴿مخلقة﴾ أي: مسوّاة لا نقص فيها ولا عيب يقال: خلق السواك والعود سوّاه وملسه من قولهم صخرة خلقاء إذا كانت ملساء ﴿وغير مخلقة﴾ أي: وغير مسوّاة، فكأنّ الله تعالى يخلق المضغ متفاوتة منها ما هو كامل الخلقة وأملس من العيوب ومنها ما هو على عكس ذلك فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم، هذا قول قتادة والضحاك، وقال مجاهد: المخلقة الولد الذي يخرج حياً وغير المخلقة السقط، وقال قوم: المخلقة المصوّرة وغير المخلقة غير المصوّرة، وهو الذي يبقى لحماً من غير تخطيط وتشكيل، واحتجوا بما روى علقمة عن عبد الله بن مسعود موقوفاً عليه قال: إن النطفة إذا استقرّت في الرحم أخذها ملك بكفه، وقال: أي رب مخلقة أو غير مخلقة، فإن قال: غير مخلقة قذفها في الرحم دماً، ولم تكن نسمة، وإن قال: مخلقة قال الملك: أي رب ذكر أم أنثى، وشقيّ أم سعيد، ما الأجل ما العمل ما الرزق بأي أرض تموت؟ فيقال له: اذهب إلى أمّ الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك فيذهب فيجدها في أمّ الكتاب فينسخها، فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفتها، والذي أخرجاه في الصحيحين عنه قال: حدّثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يوماً نطفه، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً يكتب رزقه وأجله وعمله وشقيّ أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فوالذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» فكأنه تعالى يقول: إنما نقلناكم من حال إلى حال، ومن خلقه إلى خلقة ﴿لنبيّن لكم﴾ بهذا التدريج


الصفحة التالية
Icon