ولما بين سبحانه وتعالى حال الفريقين قال تعالى ﴿إن الله﴾ أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿يفعل ما يريد﴾ من إكرام من يطيعه وإهانة من بعصيه لا دافع له ولا مانع وقوله تعالى: ﴿من كان يظنّ أن لن بنصره الله في الدنيا والآخرة﴾ فيه اختصار والمعنى أنّ الله ناصر رسوله في الدنيا والآخر فمن كان يظنّ خلاف ذلك ويتوقعه من غيظه فالضمير راجع إلى النبي ﷺ فإن قيل لم يجرل ه ذكر في هذه الآية ﴿أجيب﴾ بأنّ فيها ما يدل عليه وهو ذكر الإيمان في قوله تعالى: ﴿إن الله يُدخل الذين آمنوا﴾ والإيمان لا يتم إلا بالله ورسوله، وقيل: الضمير راجع إلى من في أوّل الآية لأنه المذكور ومن حق الكناية أن ترجع إلى المذكور إذا أمكن ذلك، وعلى هذا المراد بالنصر الرزق. قال أبو عبيدة: وقف علينا سائل من بني بكر فقال: من ينصرني نصره الله؟ أي: من يعطني أعطاه الله فكأنه قال من كان يظنّ أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة ﴿فليمدد بسبب﴾ أي: بحبل ﴿إلى السماء﴾ أي: سقف بيته يشدّ بينه وبين عنقه ﴿ثم ليقطع﴾ أي: ليختنق به بأن يقطع نفسه من الأرض كما في الصحاح. وقيل: فليمدد حبلاً إلى سماء الذنيا ثم ليصعد عليه فيجتهد في دفع نصر النبي ﷺ على الأوّل، أو يحصل رزقه على الثاني، وقرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر بكسر اللام والباقون بسكونها ﴿فلينظر﴾ ببصره وبصيرته ﴿هل يُذهبنّ﴾ وإن اجتهد ﴿كيده﴾ في عدم نصرة النبي ﷺ وإعلاء كلمته أو أنّ ذلك لا يغلب القسمة فإنّ الأرزاق بيد الله لا تنال إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى وهذا كما يقال لمن أدبر عنه أمر فجزع: اضرب برأسك الجدار إن لم ترض هذا، مت غيظاً ونحو ذلك، والحاصل: إن لم يصبر طوعاً صبر كرهاً واختلف في سبب نزول هذه الآية على القولالأوّل فذكروا فيها وجوهاً.
أحدها: كان قوم من المسلمين لشدّة غيظهم على الكفار يستبطؤن ما وعد الله رسوله من النصر فنزلت.
(٥/٤٤٥)


الصفحة التالية
Icon