وأما المعقول فمن وجوه: أحدها: أنّ من جوّز على النبيّ ﷺ تعظيم الأوثان فقد كفر؛ لأنّ من المعلوم بالضرورة أن النبيّ كان معظم سعيه في نفي الأوثان، ثانيها: قوله تعالى: ﴿فينسخ الله ما يلقي الشيطان، ثم يحكم الله آياته﴾ (الحج، ٥٢)، وإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول ﷺ أقوى من نسخ هذه الآيات التي تبقى الشبهة معها فإذا أراد الله تعالى إحكام الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن قرآناً، فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلاً أولى، ثالثها: وهو أقوى الوجوه لو جوّزنا ذلك ارتفع الإيقان عن شرعه ولجوّزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك فيبطل قوله تعالى: ﴿بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس﴾ (المائدة، ٦٧)، فإنه لا فرق في العقل بين النقصان من الوحي وبين الزيادة فيه.
(٥/٤٨٧)
وزاد الرازي أدلة أخرى على ذلك ثم قال: وقد عرفنا أنّ هذه القصة موضوعة أكثر ما في الباب أنّ جمعاً من المفسرين ذكروها وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة، انتهى. وهذا هو الذي يطمئن إليه القلب وإن أطنب ابن حجر العسقلاني في صحتها، ثم قال: وحينئذٍ فيتعين تأويل ما وقع فيها مما ينكر، وهو قوله: ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق إلخ، انتهى.
وعلى القول بها قد سلك العلماء في ذلك مسالك أحسنها أنّ النبيّ ﷺ كان يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات، ونطق بتلك الكلمات محاكياً نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها، وقال البيضاوي: بعد أن ذكر بعض هذه القصة وهو مردود عند المحققين، وإن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإيمان عن المتزلزل فيه، انتهى.l


الصفحة التالية
Icon