فإن قيل: كيف طابق ذكر العفو الغفور في هذا الموضع مع أنّ ذلك الفعل جائز للمؤمنين؛ لأنهم مظلومون؟ أجيب: بأن المنتصر لما اتبع هواه في الانتقام، وأعرض عما ندب الله تعالى له بقوله تعالى: ﴿ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور﴾ (الشورى، ٤٣)
وبقوله تعالى: ﴿فمن عفا وأصلح فأجره على الله﴾ (الشورى، ٤٠)
(٥/٤٩٣)
وبقوله تعالى: ﴿وأن تعفو أقرب للتقوى﴾ (البقرة، ٢٣٧)، فكان في إعراضه عما ندب إليه نوع إساءة أدب فكأنه تعالى قال: عفوت عن هذه الإساءة وغفرتها له، فإني أنا الذي أذنت له فيها، وفي ذكر العفو تنبيه على أنه تعالى قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضدّه
﴿ذلك﴾ أي: النصر ﴿بأنّ الله﴾ أي: المتصف بجميع صفات الكمال ﴿يولج﴾ أي: يدخل لأجل مصالح العباد المسيء والمحسن ﴿الليل في النهار﴾ فيمحو ظلامه بضيائه، ولو شاء الله تعالى مؤاخذة الناس لجعله سرمداً فتعطلت مصالح النهار ﴿ويولج النهار في الليل﴾ فينسخ ضياءه بظلامه ولولا ذلك لتعطلت مصالح الليل، أو بأنّ يدخل كلاً منهما في الآخر فيزيد به وذلك من أثر قدرته التي بها النصر ﴿وأنّ الله﴾ بجلاله وعظمته ﴿سميع﴾ لكل ما يقال ﴿بصير﴾ لكل ما يفعل، دائم الاتصاف بذلك، فهو غير محتاج إلى سكون الليل ليسمع، ولا لضياء النهار ليبصر؛ لأنه سبحانه وتعالى منزه عن الأغراض، ولما وصف تعالى نفسه بما ليس لغيره علله بقوله تعالى: