﴿ولقد أرسلنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿نوحاً﴾ وهو الأب الثاني بعد آدم عليهما الصلاة والسلام، وكان اسمه يشكر، وسمي نوحاً لوجوه: أحدها: لكثرة ما ناح على نفسه حين دعا على قومه بالهلاك، فأهلكهم الله تعالى بالطوفان، فندم على ذلك، ثانيها: لمراجعته ربه في شأنّ ابنه، ثالثها: أنه مرّ بكلب مجذوم فقال له: اخسأ يا قبيح فعوتب على ذلك. ﴿إلى قومه﴾ وهم جميع أهل الأرض لتواصل ما بينهم لكونهم على لغة واحدة محصورين لا أنه أرسل إلى الخلق كافة ؛ لأنّ ذلك من خصائص نبينا محمد ﷺ وعلى جميع الأنبياء ﴿فقال﴾ أي: فتسبب عن ذلك أنّ قال ﴿يا قوم﴾ ترفقاً بهم ﴿اعبدوا الله﴾ وحده لأنه إلهكم وحده لاستحقاقه لجميع خلال الكمال، واستأنف على سبيل التعليل قوله: ﴿ما لكم من إله﴾ أي: معبود بحق ﴿غيره﴾ فلا تعبدوا سواه ﴿أفلا تتقون﴾ أي: أفلا تخافون عقوبته إن عبدتم غيره، وقرأ الكسائي بكسر الراء والهاء، والباقون بضمهما.
﴿فقال﴾ أي: فتسبب عن ذلك أنّ كذبوه بأنّ قال ﴿الملأ﴾ أي: الأشراف الذي تملأ رؤيتهم الصدور عظمة ﴿الذين كفروا من قومه﴾ لعوامهم ﴿ما هذا﴾ أي: نوح عليه السلام ﴿إلا بشر مثلكم﴾ أي: فلا يعلم ما لا تعلمون فأنكروا أنّ يكون بعض البشر نبياً، ولم ينكروا أنّ يكون بعض الطين إنساناً وبعض الماء علقة، وبعض العلقة مضغة إلى آخره، فكأنه قيل: ما حمله على ذلك فقالوا: ﴿يريد أنّ يتفضل﴾ يتكلف الفضل بادعاء مثل هذا ﴿عليكم﴾ لتكونوا أتباعاً له ولا خصوصية له دونكم ﴿ولو شاء الله﴾ أي: الملك الأعلى الإرسال إليكم وعدم عبادة غيره ﴿لأنزل﴾ كذلك ﴿ملائكة﴾ رسلاً بإبلاغ الوحي إلينا قال الزمخشري: وما أعجب شأنّ الضلال لم يرضوا للنبوة ببشر، وقد رضوا للألوهية بحجر ﴿ما سمعنا بهذا﴾ أي: الذي دعا إليه نوح من التوحيد ﴿في آبائنا الأولين﴾ أي: الأمم الماضية.
(٦/٢٦)