﴿وجعلنا﴾ أي: بعظمتنا وقدرتنا ﴿ابن مريم﴾ نسبه إليها تحقيقاً لكونه لا أب له، وكونه بشراً محمولاً في البطن مولوداً لا يصلح لرتبة الإلهية، وزاد في تحقيق ذلك بقوله: ﴿وأمه﴾ وقال تعالى: ﴿آية﴾ ولم يقل: آيتين؛ لأنّ الآية فيهما واحدة ولادته من غير فحل، ويحتمل أنّ الآية الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها، والتقدير: وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية لأنّ الله تعالى: جعل مريم آية لأنها حملته من غير ذكر، وقال الحسن: قد تكلمت في صغرها كما تكلم عيسى وهو قولها: ﴿هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب﴾، ولم تلتقم ثدياً قط.
تنبيه: قال بعض المفسرين: ولعل في ذلك إشارة إلى أنه تكلمت به آية للقدرة على إيجاد الإنسان بكل اعتبار من غير ذكر ولا أنثى، وهو آدم عليه السلام، ومن ذكر بلا أنثى وهي حوّاء عليها السلام، ومن أنثى بلا ذكر وهو عيسى عليه السلام، ومن الزوجين وهو بقية الناس ﴿وآويناهما﴾ أي: بعظمتنا ﴿إلى ربوة﴾ أي: مكان عالٍ من الأرض.
تنبيه: قد اختلف في هذه الربوة، فقال عطاء عن ابن عباس: هي بيت المقدس، وهو قول قتادة وكعب، قال كعب: هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً، وقال عبد الله بن سلام: هي دمشق، وقال أبو هريرة: هي الرملة، وقال السدي: هي أرض فلسطين، وقال ابن زيد: هي مصر، وقرأ ابن عامر وعاصم بفتح الراء، والباقون بضم الراء ﴿ذات قرار﴾ أي: منبسطة مستوية واسعة يستقر عليها ساكنوها ﴿ومعين﴾ أي: ماء جار ظاهر تراه العيون.
(٦/٣٩)
تنبيه: قد اختلف في زيادة ميم معين وأصالتها فوجه من جعلها مفعولاً أنه مدرك بالعين لظهوره من عانه إذا أدركه بعينه نحو ركبه إذا ضربه بركبته، ووجه من جعله فعيلاً أنه نفاع لظهوره وجريه من الماعون وهو المنفعة قيل: سبب الإيواء أنها مرت بابنها إلى الربوة، وبقيت بها اثنتي عشرة سنة، ثم رجعت إلى أهلها بعدما مات ملكهم وههنا آخر القصص. وقد اختلف في المخاطب بقوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon