﴿قل﴾ أمره الله تعالى بعدما قرّرهم بالعالمين العلوي والسفلي أن يقرّرهم بما هو أعم وأعظم وهو قوله تعالى: ﴿من بيده﴾ أي: من تحت قدرته ومشيئته ﴿ملكوت كل شيء﴾ من إنس وجن وغيرهما، والملكوت: الملك البليغ، قال ابن الأثير: كانت العرب إذا كان السيد فيهم أجار أحداً لا يخفر جواره، وليس لمن دونه أن يجير عليه لئلا يعاب عليه، ولو أجار ما أفاد، ولهذا قال تعالى: ﴿وهو يجير﴾ أي: يمنع ويغيث من شاء فيكون في حرز لا يقدر أحد على الدنو من ساحته ﴿ولا يجار عليه﴾ أي: ولا يمكن أحداً أبداً أن يجير جواراً يكون مستعلياً عليه بأن يكون على غير مراده بل يأخذ من أراد وإن نصره جميع الخلائق ويعلي من أراد وإن تحاملت عليه كل المصائب فتبين كالشمس أنه لا شريك يمانعه ولا ولد يضارعه، وأنه السيد العظيم الذي لا أعظم منه، الذي له الخلق والأمر ولا معقب لحكمه وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ثم ألهبهم إلى المبادرة إلى الاعتراف به وهيجهم بقوله تعالى: ﴿إن كنتم تعلمون﴾ أي: في عداد من يعلم، ولذلك استأنف قوله تعالى:
﴿سيقولون لله﴾ أي: الذي بيده ذلك خاصاً به.
تنبيه: سيقولون لله الأول لا خلاف فيها، وأما الثانية والثالثة فقرأ أبو عمرو: سيقولون الله بزيادة همزة الوصل مع التفخيم فيهما، ورفع الهاء والباقون بغير همز الوصل مع الترقيق وكسر الهاء والتقدير ذلك كله لله، ولما كان جوابهم بذلك يقتضي إنكار توقفهم في الإقرار بالبعث استأنف قوله تعالى: ﴿قل﴾ أي: لهم منكراً عليهم ﴿فأنى تسخرون﴾ أي: فكيف بعد إقراركم بهذا كله تخدعون وتصرفون عن الحق وكيف يخيل لكم أنه باطل، ولما كان الإنكار بمعنى النفي حسن قوله تعالى:
﴿بل﴾ أي: ليس الأمر كما يقولون بل ﴿أتيناهم بالحق﴾ أي: بالصدق من التوحيد والوعد بالنشور ﴿وإنهم لكاذبون﴾ في كل ما ادعوه من الولد والشريك وغيرهما مما بين القرآن فساده ومن أعظم كذبهم قولهم: ﴿اتخذ الرحمن ولداً﴾ (مريم، ٨٨)
قال تعالى رداً عليهم:


الصفحة التالية
Icon