(٦/١٢٣)
الحلي فمواضع الحلي أبلغ في النهي وأوامر الله ونواهيه في كل باب لا يكاد العبد الضعيف يقدر على مراعاتها، وإن ضبط نفسه واجتهد ولا يخلو من تقصير يقع منه فلذلك قال تعالى: ﴿وتوبوا إلى الله﴾ أي: الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ﴿جميعاً أيها المؤمنون﴾ أي: مما وقع لكم من النظر الممنوع منه ومن غيره.
وشروط التوبة أن يقلع الشخص عن الذنب ويندم على ما مضى منه ويعزم على ألا يعود إليه ويرد الحقوق لأهلها، وقرأ ابن عامر في الوصل: أيها المؤمنون بضم الهاء لأنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف فلما سقطت الألف لالتقاء الساكنين أتبعت حركتها حركة ما قبلها والباقون بفتحها، وأما الوقف فوقف أبو عمرو والكسائي بالألف بعد الهاء، ووقف الباقون على الهاء ساكنة ﴿لعلكم تفلحون﴾ أي: تنجون من ذلك بقبول التوبة منه، وفي الآية تغليب الذكور على الإناث، وعن ابن عباس توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة.
فإن قيل: على هذا قد صحت التوبة بالإسلام لأنه يجب ما قبله فما معنى هذه التوبة؟ أجيب: بأن بعض العلماء قال: إن من أذنب ذنباً ثم تاب لزمه كلما ذكره أن يجدد التوبة لأنه يلزمه أن يستمر على ندمه وعزمه على عدم العودة إلى أن يلقى الله تعالى، والذي عليه الأكثر أنه لا يلزمه تجديدها.
وعن أبي بردة أنه سمع الأغر يحدث ابن عمر أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إلى ربي كل يوم مائة مرة»، وعن ابن عمر قال: إنا كنا لنعدّ لرسول الله ﷺ في المجلس يقول: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة»، وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه»، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ «للّه أفرح بتوبة عبده من أحدكم يسقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة».