﴿وقالوا أساطير الأولين﴾ أي: ما سطره الأولون من أكاذيبهم جمع أسطورة بالضم كأحدوثة، أو أسطار ﴿اكتتبها﴾ أي: تطلب كتابتها له من ذلك القوم وأخذها، والمعنى أن هذا القرآن ليس من الله تعالى إنما هو مما سطره الأولون الأول كأحاديث رستم واسفنديار استنسخها محمد من أهل الكتاب ﴿فهي﴾ أي: فتسبب عن تكلفه ذلك أنها ﴿تملى عليه﴾ أي: تقرأ عليه ليحفظها ﴿بكرة﴾ قبل أن تنتشر الناس ﴿وأصيلا﴾ أي: عشياً حين يأوون إلى مساكنهم، أو دائماً ليتكلف حفظها بالانتساخ؛ لأنه أمي لا يقدر أن يكرر من الكتاب، أو ليكتب وهذا كما ترى لا يقوله من له مسكة في عقل، أو مروءة كيف وهو يدعوهم إلى المعارضة ولو بسورة من مثله وفيهم الكتاب والشعراء والبلغاء والخطباء، وهم أكثر منه مالاً وأعظم أعواناً ولا يقدرون على شيء منه، فإن قيل: كيف؟ قيل: اكتتبها فهي تملى عليه، وإنما يقال: أمليت عليه فهو يكتبها؟ أجيب: بوجهين: أحدهما: أراد اكتتابها وطلبه، فهي تملى عليه، الثاني: أنها كتبت له وهو أمي فهي تملى أي: تلقى عليه من كتاب ليحفظها؛ لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب، وقرأ ﴿فهي﴾ قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء، والباقون بكسرها، ثم أمره الله تعالى بجوابهم بقوله تعالى:
(٦/١٩٤)
﴿قل﴾ أي: دالاً على بطلان ما قالوه ومهدداً لهم ﴿أنزله الذي يعلم السر﴾ أي: الغيب ﴿في السموات والأرض﴾؛ لأنه أعجزكم عن آخركم بفصاحته وتضمنه أخباراً عن مغيبات مستقبلة وأشياء مكنونة لا يعلمها إلا عالم الأسرار، فكيف تجعلونه أساطير الأولين مع علمكم أن ما تقولونه باطل وزور؟ وكذلك باطن رسول الله ﷺ وبراءته مما يبهتونه، وهو يجازيكم على ما علم منكم وعلم منه.
(٦/١٩٥)


الصفحة التالية
Icon