وعن ابن عباس قال: «بينما رسول الله ﷺ جالس وجبريل عليه السلام معه، فقال جبريل عليه السلام : هذا ملك قد نزل من السماء استأذن ربه في زيارتك، فلم يلبث إلا قليلاً حتى جاء الملك وسلم على رسول الله ﷺ وقال: إن الله يخيرك أن يعطيك مفاتيح كل شيء لم يعطه أحداً قبلك، ولا يعطيه أحداً بعدك من غير أن ينقصك مما أداك شيئاً، فقال ﷺ «بل يجمعها لي في الآخرة» فنزل ﴿تبارك الذي إن شاء﴾ الآية، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة برفع اللام من يجعل، وفيه وجهان: أحدهما: أنه مستأنف، والثاني: أنه معطوف على جواب الشرط؛ لأن الشرط إذا وقع ماضياً جاز في جوابه الجزم والرفع كقوله:
*وإن أتاه خليل يوم مسألة
... يقول لا غائب مالي ولا حرم
والباقون بالجزم، ويجوز في ﴿يجعل لك﴾ إذا أدغمت أن تكون اللام في تقدير الجزم والرفع، ثم أضرب سبحانه وتعالى عن كلامهم في حق رسوله محمد ﷺ بقوله تعالى:
﴿بل﴾ أي: لا يظنوا أنهم كذبوا بما جئت به؛ لأنهم لا يعتقدون فيك كذباً بل ﴿كذبوا بالساعة﴾ أي: القيامة، فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوي، وظنوا أن الكرامة إنما هي بالمال فلا يرجون ثواباً ولا عقاباً، فلا يتكلفون النظر والفكر، ولهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل ﴿وأعتدنا﴾ أي: والحال أنا اعتدنا أي: هيأنا بما لنا من العظمة ﴿لمن كذب﴾ من هؤلاء وغيرهم ﴿بالساعة سعيراً﴾ أي: ناراً شديدة الاتقاد بما أعظموا الحريق في قلوب من كذبوهم من الأنبياء وأتباعهم، وعن الحسن: أن السعير اسم من أسماء جهنم.
تنبيه: احتج أهل السنة على أن الجنة مخلوقة بقوله تعالى: ﴿أعدت للمتقين﴾ (آل عمران، ١٣٣)
وعلى أن النار وهي دار العقاب مخلوقة بهذه الآية:
(٦/١٩٩)