﴿وجعلنا﴾ أي بالعطاء والمنع بما لنا من العظمة ﴿بعضكم﴾ أي: أيها الناس ﴿لبعض فتنة﴾ أى: بلية والمعنى: أنه تعالى ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم وبمناصبتهم والعدواة لهم وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف، وجعل الغني فتنة للفقير والصحيح فتنة للمريض والشريف فتنة للوضيع، يقول الثاني من كل: مالي لا أكون كالأول؟ وقال ابن عباس: جعلت بعضكم بلاءً لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم فتتبعوا الهدى أم لا، وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاصي بن وائل والنضر بن الحرث، وذلك أنهم رأوا أبا ذر وابن مسعود وعماراً وبلالاً وصهيباً وعامر بن فهيرة ومن دونهم قد أسلموا قبلهم، فقالوا: أنسلم ونكون مثل هؤلاء؟ وقيل: جعلناك فتنة لهم؛ لأنك لو كنت غنياً صاحب كنوز وجنات لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا، فتكون ممزوجة بالدنيا، وإنما بعثناك فقيراً لتكون طاعة من يطيعك خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي وقوله تعالى: ﴿أتصبرون﴾ أي: على ما تسمعون مما ابتليتم، به استفهام بمعنى الأمر أي: اصبروا ﴿وكان ربك﴾ أي: المحسن إليك إحساناً لم يحسنه إلى أحد سواك لا سيما بجعلك نبياً عبداً ﴿بصيراً﴾ أي: بكل شيء فهو عالم بالإنسان قبل الامتحان لم يفده ذلك علماً لم يكن عنده، ولكن يعلم ذلك شهادة كما يعلم علم الغيب، ولتقوم عليهم بذلك الحجة فلا يضيقن صدرك ولا تستخفنك أقاويلهم، فإن صبرك عليها سعادتك وفوزك في الدارين.
روي أنه ﷺ قال: «إذا نظر أحدكم من فضل عليه في المال والجسم فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم»، وروي: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم حذر أن تزدروا نعمة الله عليكم». الشبهة الرابعة: لمنكري نبوة محمد ﷺ قوله تعالى:
(٦/٢١٠)