إذ لم يكن معه شمس وإن كان بينهما فرق وهو الليل لأن ظل الأرض الممدود على قريب من نصف وجهها مدة تحجب نور الشمس عما قابل قرصها من الأرض حتى امتد بساطه وضرب فسطاطه كما حجب ظل ضلالهم أنوار عقولهم وغفلة طباعهم نفوذ أسماعهم ﴿ولو شاء لجعله﴾ أي: الظل ﴿ساكناً﴾ أي: دائماً ثابتاً لا يزول ولا تذهبه الشمس لاصقاً بأصل كل مظل من جبل وبناء وشجر غير منبسط فلم ينتفع به أحد، سمى انبساط الظل وامتداده تحركاً منه وعدم ذلك سكوناً لكنه تعالى لم يشأ بل جعله متحركاً كما يسوق الشمس له، وقال أبو عبيدة: الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة، والفيء ما نسخ الشمس وهو بعد الزوال سمي فيئاً؛ لأنه فاء من جانب المشرق إلى جانب المغرب ﴿ثم جعلنا الشمس عليه﴾ أي: الظل ﴿دليلاً﴾ أي: أن الناس يستدلون بالشمس وأحوالها في مسيرها على أحوال الظل من كونه ثابتاً في مكان أو زائلاً ومتسعاً أو متقلصاً فلو لم تكن الشمس لما عرف الظل ولولا النور لما عرفت الظلمة، والأشياء تعرف بأضدادها.
﴿ثم قبضناه﴾ أي: الظل ﴿إلينا﴾ أي: إلى الجهة التي أردنا لا يقدر أحد غيرنا أن يحوله إلى جهة غيرها، والقبض جمع المنبسط من الشيء ومعناه أن الظل يعم جميع الأرض قبل طلوع الشمس، فإذا طلعت قبض الله الظل ﴿قبضاً يسيراً﴾ أي: على مهل، وفي هذا القبض اليسير شيئاً بعد شيء من المنافع ما لم يعد ولا يحصى، ولو قبض دفعة واحدة لتعطلت أكثر مرافق الناس بالظل والشمس جميعاً، وقيل: المراد من قبضها يسيراً قبضها عند قيام الساعة، وذلك بقبض أسبابها وهي الأجرام التي تلقي الظلال، وقوله تعالى: يسيراً كقوله تعالى: ﴿حشر علينا يسير﴾ (ق، ٤٤)
(٦/٢٣٢)


الصفحة التالية
Icon