فإن قيل: ثم في هذين الموضعين كيف موقعها؟ أجيب: بأن موقعها بيان تفاضل الأمور الثلاثة كان الثاني أعظم من الأول والثالث أعظم منهما تشبيهاً لتباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت، ولما تضمنت هذه الآية الليل والنهار وهو النوع الثاني قال تعالى مصرحاً بهما:
﴿وهو﴾ أي: ربك المحسن إليك وحده ﴿الذي جعل﴾ دليلاً على الحق وإظهاراً للنعمة على الخلق ﴿لكم الليل﴾ أي: الذي تكامل به مد الظل ﴿لباساً﴾ أي: ساتراً للأشياء، شبه ظلامه باللباس في ستره ﴿والنوم سباتاً﴾ أي: راحة للأبدان بقطع المشاغل، وهو عبارة عن كونه موتاً أصغر طاوياً لما كان من الإحساس قاطعاً لما كان من الشعور والتقلب فيه دلائل لأهل البصائر، قال البغوي وغيره: وأصل السبت القطع، وفي جعله تعالى لذلك من الفوائد الدينية والدنيوية ما لا يعد ولا يحصى، وكذا في قوله تعالى: ﴿وجعل﴾ أي: وحده ﴿النهار نشوراً﴾ أي: منشوراً فيه لابتغاء الرزق وغيره، وفي ذلك إشارة إلى أن النوم واليقظة أنموذجان للموت والنشور. يحكى أن لقمان قال لابنه: يا بني كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنشر، ثم ذكر النوع الثالث بقوله تعالى:
(٦/٢٣٣)


الصفحة التالية
Icon